الأصول الثلاثة من الأساس ، وهذه الحتمية محل وفاق بين الجميع ، وان
اختلفوا في ان هذه الحتمية هل هي من باب الورود أو من باب الحكومة أو بالتفصيل بين
الأصول العقلية ـ فيكون الاستصحاب واردا ـ وبين الأصول الشرعية فيكون حاكما؟.
بقي أن نذكر
ثلاثة أمثلة بقصد التوضيح (١) لتقديم الاستصحاب على البراءة (٢) لتقديمه على
التخيير (٣) لتقديمه على الاشتغال والاحتياط.
مثال البراءة :
عصير العنب إذا غلى يحرم يقينا ، وإذا ذهب ثلثاه بالغليان يحل يقينا. وبعد هذا
اليقين نفترض أنه غلى وحرم ، ثم ذهب ثلثاه ولكن بالهواء لا بالنار والغليان ،
وشككنا : هل صار حلالا بذلك تماما كما لو ذهب الثلثان بالغليان ، أو هو باق على
التحريم؟.
وحيث لا دليل
شرعيا ينهى عن هذا الفرض فهو مورد لأصل البراءة ، ولكن العلم السابق بالتحريم
ووجوب البقاء على هذا العلم وعدم نقضه بالشك ـ يلغي الشك والتردد واحتمال التحليل
، ويجعل هذا الفرد المشكوك فردا من أفراد العصير قبل ذهاب الثلثين من حيث التحريم
، ويرتفع موضوع البراءة ، ويجري استصحاب الحرمة بلا معارض.
مثال التخيير :
شككت في أن هذا اليوم : هل هو أول شوال كي يحرم صيامه لأنه عيد أو آخر رمضان كي
يجب الصيام؟ فيدور الأمر بين محذورين : الوجوب والحرمة ، وهذا هو مورد أصل التخيير
العقلي ، ولكن العلم السابق بوجوب الصيام والبقاء عليه حتى يثبت العكس يلغي احتمال
وجوب الافطار ، ويرتفع موضوع التخيير ، ويجري استصحاب ما كان. وقد أرشد الإمام (ع)
إلى هذا الاستصحاب بقوله : اليقين لا يدخله الشك ، صم للرؤية ، وأفطر للرؤية.
مثال الاشتغال
: سافرت وجهلت المسافة فحرت : هل تصلي قصرا أو تماما؟. وهذا هو موضوع الاحتياط
ووجوبه بالجمع بين الأمرين لمكان الشك في المكلف به بعد العلم بالتكليف. والاشتغال
اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني لحكم العقل بدفع الضرر الأخروي المحتمل ، ولكن
العلم بوجوب التمام سابقا والبقاء عليه حتى يثبت العكس يلغي الشك والتردد بين
القصر والتمام حكما وتعبدا ، ويرتفع موضوع الاحتياط ، ويأخذ استصحاب وجوب التمام
طريقه ومجراه.