والخلاصة أن الثابت بالاستصحاب كالثابت بالعيان تنزيلا وتعبدا ، وهنا يكمن السر في حكومته أو وروده على كثير من الأصول ، ومنها أصل البراءة والتخيير والاحتياط.
بين استصحابين
قد يحدث التقابل والتعارض بين فردين من أفراد الاستصحاب ، فما هو العلاج والأمر كذلك؟ هل نطرحهما معا ونبحث عن أصل ثالث ، أو نعمل بأحدهما على التعيين أو على التخيير؟ والجواب عن ذلك يستدعي التفصيل التالي :
١ ـ أن يكون الشك في بقاء أحد المستصحبين ناشئا ومسببا عن الشك في بقاء المستصحب الآخر ، والحكم هنا تقديم السبب على المسبب شريطة أن يكون المسبب أثرا شرعيا للسبب ، ويلحقه مباشرة وبلا واسطة المستلزمات العقلية أو العادية.
ومثال ذلك : ماء كنا نعلم بطهارته من قبل ، ثم شككنا واحتملنا نجاسته من بعد ، وثوب متنجس على اليقين فطهرناه بذاك الماء المعلوم المشكوك ، وبعد التطهير شككنا أيضا في بقاء نجاسة الثوب وزوالها ، والسبب الأول لهذا الشك هو الشك في طهارة الماء التي تدور مدارها نجاسة الثوب وجودا وعدما في الفرض المذكور ، وحيث ان شروط الاستصحاب متوافرة بكاملها في طهارة الماء فنستصحبها ، ونرتب عليها جميع آثارها ، ومنها طهارة الثوب للملازمة الشرعية الحتمية المباشرة بين الطهارتين ، وعليه فلا يبقى لاستصحاب نجاسة الثوب من مورد ولا موضوع.
٢ ـ ان لا يكون بين الشكّين أية علاقة سببية ، بل هما في عرض واحد ومرتبة واحدة. وأيضا أن يكون العمل بالاستصحابين معا مستلزما للمخالفة القطعية ، ولكن طرحهما معا لا يستدعي أي محذور. والحكم هنا تساقط الاستصحابين وعدم جواز الأخذ بهما ولا بأحدهما.
ومثاله أن نعلم سابقا بطهارة إناءين ، ثم نعلم أيضا بوقوع نجاسة في أحدهما لا على التعيين ، ومن البديهي أن استصحاب الطهارة في كل من الإناءين للعلم السابق يتنافى مع العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما على اليقين ، فيتعارض الاستصحابان ويتساقطان.