وإذا رجعنا إلى
الأخبار ونظرنا اليها على هذا الأساس ، وجدنا مورد البعض منها الشك في صحة الشيء
الموجود كقول الإمام (ع) : كل ما مضى من صلاتك وطهورك فأمضه. وقوله : كلما شككت
فيه مما قد مضى فأمضه كما هو. وأيضا وجدنا مورد البعض منها الشك في أصل الوجود من
حيث هو كقول الإمام : إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد
عليهما.
وعليه فلا مناص
من القول بوجود قاعدتين : احداهما قاعدة الفراغ ، ومحلها الشك في صحة العمل بعد
الفراغ منه ، والثانية قاعدة التجاوز ، ومحلها الشك في أصل وجود الشيء بعد الخروج
من محله المقرر والدخول في غيره ، وقد تلتقي القاعدتان على صعيد واحد ، وذلك اذا
فرغ المكلف من عمل مركب ، وشك في إخلاله ببعض الشروط والأجزاء.
وتسأل
: وأي مانع من
القول بأن المستفاد من الأخبار قاعدة كلية لمفهوم عام وقدر مشترك بين النوعين؟.
وأجابوا عن ذلك
بأنه لا قدر مشترك بينهما لمكان التغاير والتنافر بخاصة ان كلمة «في» في قول
الإمام : «شككت فيه» حرف ، ومعاني الحروف جزئية لا كلية. قال الآشتياني هنا من
جملة ما قال : «ان معاني الحروف آلية ربطية جزئية لا تجمع بين معنيين في اطلاق
واحد».
وقال الأنصاري
: يمكن إرجاع المعنيين إلى معنى واحد ، وهو الشك في وجود الشيء الصحيح الذي يشمل
الشك في أصل الوجود ، والشك في صحة الموجود ، وعبّر عن ذلك بأكثر من أسلوب ، من
ذلك قوله : «إن الشك في وصف الصحة للشيء ملحق بالشك في أصل الشيء». وفي مكان آخر
قال : «إن الشك في صحة الشيء المأتي به حكمه حكم الشك في الاتيان ، بل هو هو لأن
مرجعه إلى الشك في وجود الشيء الصحيح».
ومهما يكن ،
فنحن مع ظاهر الأخبار الدال بصراحة على وجود قاعدتين لا قاعدة واحدة ، لمكان
التعدد والتنوع في مواردها. وسجلنا رأينا هذا في كتاب فقه الإمام جعفر الصادق (ع)
منذ سنوات ، وما زلنا على هذا الرأي برغم دراسة الموضوع مرة ثانية بروية وعناية.
وكل الآراء تحتمل الخطأ والصواب ، وأي عاقل أو عالم لا يتوقع الخطأ في أقواله
وأفعاله؟