المحل
تكلموا هنا في تفسير المحل وما هو المراد منه؟ مع العلم بأن هذه الكلمة لم ترد اطلاقا في أخبار القاعدة ، وانما وردت كلمة الشك ، والفراغ ، والمضي ، والدخول ، والخروج ، والتجاوز ، ولكن التجاوز عن الجزء المشكوك في إتيانه لا يكون أبدا بالتجاوز عنه بالذات لعدم احرازه ، وانما يكون بالتجاوز عن محله ، فاقتضى الواقع بيان المراد من المحل.
ومن البديهي أن محل كل شيء بحسبه ، فمحل الفاتحة في الصلاة ـ مثلا ـ بعد تكبيرة الإحرام وقبل السورة ، ومحل القبول في العقد بعد الايجاب. قال الأنصاري : «محل الشيء مرتبته المقررة له بحيث لو أتى به فيه لم يقع اختلال».
الدخول بالغير
هنا خلافان بين العلماء : الأول هل جاء ذكر الدخول بالغير في هذه الأخبار كغاية وشرط أصيل بحيث إذا تحقق معنى التجاوز والفراغ عرفا بلا الدخول بالغير ـ لا يكفي ولا يسوغ الأخذ بالقاعدة إلا مع الدخول بالغير ، أو أن الأخبار ذكرت هذا الدخول واعتبرته كوسيلة لتحقيق مفهوم التجاوز والفراغ ، فإذا تحقق هذا المفهوم في نظر العرف بلا الدخول بالغير جرت القاعدة من دونه؟.
والحق أن ذكر الدخول بالغير في الأخبار وسيلة لا غاية ولا امتياز له على الاطلاق إلا إذا كان محققا للفراغ والتجاوز عن المحل ، فإذا وجدا من دون الدخول جرت القاعدة وصح العمل بها. وليس من شك في أن الدخول بالغير يوجب العلم واليقين بوجود الفراغ والتجاوز ، وعليه فالأولى اعتباره بخاصة في العبادة من باب الحيطة في الدين.
الخلاف الثاني حدث في معنى الغير والمراد منه. وبما أن الشارع لا عرف له ولا اصطلاح في معنى الغير ـ وجب حمله على كل ما يراه العرف غيرا سواء أكان من المستقلات أم من المقدمات. ومن هنا قال بعض الفقهاء : «إذا شك في كلمة من الحمد ، وقد دخل في كلمة أخرى فضلا عن الدخول في الآية أو السورة أو الهويّ إلى الركوع فقد تجاوز المحل ، لإطلاق قول الإمام : «إذا خرجت