على فعل شيء يتضمن العديد من الحركات المتنوعة وباشره ـ فلا ينصرف عنه إلا بعد تمامه وإكماله على الوجه المطلوب ، وهذه الحال تدل بظاهرها على أن الفاعل قد أتى بكل ما قصد الإتيان به. ويعزز ذلك ـ ما زلنا نتكلم بلسان القيل ـ قول الإمام (ع) : «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» فإنه يومئ إلى ان هذه القاعدة أمارة لا أصل حيث اعتبر من يباشر أي عمل من الأعمال ذاكرا ملتفتا إلى ما قصد وأراد ، ولا شك أن هذه الحال ظاهرة في أن الفاعل ما ترك شيئا من أهدافه ومقاصده. هذا كل ما يملكه القائلون بالأمارة.
أما نحن فلم يتضح لدينا الوجه السليم لهذا القول لأن الفرق الأساسي بين الأمارة والأصل أن الأمارة فيها جهة كاشفة دون الأصل ، والكشف يدرك بالحس والتبادر لا بالفلسفات والنظريات ونحن لم ندرك هذا الكشف بأي سبيل فكيف نؤمن به ، أما قول الإمام (ع) : «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» فلعله اشارة إلى أصل عدم النسيان ، أو أي شيء آخر غير الكشف والظهور ، هذا إلى أن الشارع بما هو شارع قد يتمم الكشف ويكمل ما فيه من نقص ، اما أن يوجده ويخترعه فلا. وعليه فالأقرب أن هذه القاعدة أصل لا أمارة. وان قال قائل : ان الشارع هنا اكمل الكشف الموجود لا إنه أوجد الكشف من عدم ـ أعدنا القول مرة ثانية : لم يتضح لنا هذا الكشف.
وعلى جميع الأقوال والأحوال فإن هذه القاعدة مقدمة على الاستصحاب بالاتفاق لأن دليلها أخص من دليله ، ومورده أعم من موردها ، ولو تقدم هو عليها لوجب طرحها واهمالها من الأساس ، ولم يبق لها من مورد وموضوع.
مدرك القاعدة
حاول بعض الفضلاء أن يرجع هذه القاعدة إلى بناء العقلاء ، وأن الشارع رضي وأمضى ما تبنّوه وفعلوه. والحق أن المدرك هو الضرورة المذهبية ، وان كان هناك بين الفقهاء من خلاف فهو في التطبيق والجزئيات لا في المبدأ والفكرة. والسبب الأول لهذه الضرورة النصوص الصحيحة الصريحة عن الآل الأطهار (ع). ومنها ما يلي :
«إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء .. إن شك