والخلاصة ان الاستصحاب قد يجري في الحكم وموضوعه معا كمثال الشك في إسلام زيد وحياته ، وقد لا يجري فيهما معا كالشك في الحكم للشك في موضوعه المردد بين أمرين ، وقد يجري في الموضوع دون الحكم كالشك في الحكم المسبب عن الشك في بقاء موضوعه المعين ، وقد يجري في الحكم دون الموضوع.
وفي جميع الحالات قد تكون وحدة الموضوع في القضيتين واضحة ظاهرة لا تحتاج إلى مقياس ومعيار ، ولا كلام لنا في ذلك ، وإنما محل البحث هنا فيما لو شككنا في هذه الوحدة لذهاب صفة من صفات موضوع الحكم ، أو عروض صفة جديدة عليه كالمجتهد العادل الذي قلّدته العوام في أمور دينها : ثم صار ضريرا بعد أن كان بصيرا ، أو غنيا بعد أن كان فقيرا ، وشككنا في جواز البقاء على تقليده للشك في أن هذا الطارئ العارض : هل غيّر موضوع الحكم وجعله متعددا بعد أن كان واحدا؟.
إذا حدث شيء من ذلك فبأيّ شيء نميّز وحدة الموضوع في القضيتين عن تعدده؟ وما هو المعيار الذي يدلنا على ذلك؟. هل هو العقل أو الشرع أو العرف؟. هذا هو محل البحث والكلام.
ليس من شك ان ميدان العقل هو العلم والفلسفة والموضوعات الرياضية ، ولا شأن له باللغة وموضوعاتها والألفاظ ومسمياتها ، واما الشرع فبيانه هو المعتمد الأول إن وجد وإلا رجعنا إلى العرف ، فأيّ مورد تكون القضية المشكوكة هي عين القضية المتيقنة في نظرهم ـ جرى الاستصحاب ، حتى مع الاحتمال المعاكس ، إلا ان يدل دليل من الشرع على الخلاف ، لأن الشارع خاطب الناس بلغتهم ، وترك تحديد أغراضه ومقاصده إلى ما يفهمونه من ظاهر كلامه ، ولو أراد غير الظاهر العرفي لوجب عليه التعريف والبيان بمنطق الحكمة وبديهة العقل.
وهذه الحقيقة لا تقبل الجدال والنقاش ، ومن هنا شاع في حوار العلماء والطلاب «ان الأحكام تتبع الأسماء ، وتدور مدارها وجودا وعدما» ومعنى هذه الجملة أن الأحكام تتعلق بالمعاني والمسميات العرفية ، ولا صلة لها بالمختبرات العلمية والدقة العقلية ـ مثلا ـ إذا قال الشارع : «وأنزلنا من السماء ماء طهورا» ثم تغير طعم هذا الماء بطول المكث ، أو لونه بما تحمله اليه الريح من أوراق الشجر وغيرها ـ قالوا : هذا الماء الذي أنزله الله من السماء صار كدرا بعد أن كان