التنبيه التاسع
استصحاب وجوب الباقي
إذا تعذر جزء من أجزاء الواجب المركب أو شرط من شروطه ، فهل الأصول والقواعد ـ بصرف النظر عن الدليل الخاص ـ تستدعي سقوط الوجوب عن البقية الباقية ، أو يبقى كما كان قبل العجز؟ ومثاله أن يعجز المكلف عن الساتر في الصلاة أو عن القيام حال القراءة ، فهل يجب عليه أن يصلي عاريا وبلا قيام؟.
قال بعضهم : يجب الإتيان بالبقية الباقية عملا بالاستصحاب حيث كنا على يقين من وجوبها قبل العجز عن غيرها ، وبعده نشك فنمضي على اليقين السابق ، ولا ننقضه بالشك.
وأجابوا هذا المستصحب بالعديد من الأجوبة ، نلخص بعضها بأن وجوب الأجزاء والشروط ، منضمة متشابكة بعضها مع بعض ـ غير وجوبها منفردة متباعدة. ومعنى هذا أن الوجوب الأول الثابت باليقين حال الانضمام وقبل العجز قد ارتفع يقينا ، والوجوب الجديد حال الانفراد وبعد العجز مشكوك منذ البداية فينفى بالأصل.
وأقرب الأقوال إلى الصواب صناعة أن ننظر إلى دليل الجزء أو الشرط المتعذر ، فإن كان واجبا مطلقا من غير قيد بحال القدرة والاختيار سقط وجوب الباقي حيث لا كلّ بلا جزء ولا مشروط بلا شرط ، ومن ذلك تعذّر الطهورين في الصلاة لقوله (ص) : «لا صلاة إلا بطهور» وعليه فمن فقد الماء والتراب لا تجب عليه الصلاة.
وان كان الجزء أو الشرط المتعذر واجبا مقيدا بحال القدرة كالقيام في الصلاة ـ وجب الباقي من غير شك.
ورب قائل : هذا واضح وسليم بلا ريب وجدال ، ولكنه ليس محل الكلام ، وانما البحث فيما إذا جهلنا هوية الجزء أو الشرط من حيث القيد والاطلاق ، ولا ندري من أي النوعين هو؟.