الاستصحاب واعتباره من جهة بناء العقلاء وافادته الظن بالبقاء فيصح العمل به حتى ولو كان أصلا مثبتا.
وذلك بأن الشارع بما هو شارع لا يمكنه بحال أن يخرج من عالم التشريع الى عالم التكوين ونحوه ، وأن يتصدى لأشياء لا تدخل تحت سلطانه سلبا ولا ايجابا وإلا ناقض نفسه بنفسه ، فإذا قال : لا تنقض اليقين بالشك ، وأبق ما كان على ما كان ، فمعناه أن الذي كنت عليه في حال علمك ويقينك بأحكامي وأقوالي ، فقد أوجبت البقاء عليه والعمل به في حال ترددك وشكك في بقائه واستمراره. وهكذا الحال في غير الاستصحاب وسبق اليقين ، فمعنى قوله : كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام ، جعلت حكم مشكوك التحريم كحكم معلوم التحليل. ومعنى كل شيء لك طاهر حتى تعرف أنه قذر ، جعلت حكم مشكوك النجاسة كحكم معلوم الطهارة.
ولا ريب ان قوله هذا لا يتعدى في دلالته إلى الآثار التكوينية والعقلية والعادية ، إذ هي بطبيعتها تأبى الجعل والتشريع وضعا ورفعا ، وعليه تختص أخبار الاستصحاب ـ بل والإباحة والطهارة ـ بالآثار القابلة للتشريع والإنشاء والتعبد بها ، ويخرج عنها الأصل المثبت موضوعا وتخصصا لا انصرافا وتخصيصا بعد الفرض بأن الأصل المثبت يثبت الأثر الشرعي ـ ان صح التعبير ـ بطريق غير شرعي.
الواسطة الخفية
وتسأل : لقد استثنى الأنصاري من الأصل المثبت بالنسبة إلى عدم صحته ، ما خفي على أهل العرف من واسطات وملازمات ، حيث يرون أثر اللازم واقعا أثرا للملزوم بالذات. فما قولك في هذا الاستثناء؟.
الجواب :
لقد اعترف الانصاري وقال بصراحة : ان حديث «لا تنقض اليقين بالشك» يتناول خصوص الآثار القابلة للتشريع والإنشاء تماما كما قلنا في الفقرة السابقة بلا فاصل ، وعليه فلا مجال لدعوى التفرقة بين الواسطة الخفية والجلية ما دامت هذه وتلك تأبى الجعل بطبعها وطبيعتها ، وهل مجرد الخفاء والغموض يحوّل