كل تقدير تكليفا كان أم وضعا. هذا إذا عرض الشك بطبيعة الحال ـ مثلا ـ نحن على يقين بأن الشارع حكم بتحريم الخمر ونجاسته بلا قيد أو شرط ، فاذا صادف ان هذا الخمر قد ذهبت منه المادة المسكرة لسبب أو لآخر ، وشككنا في بقاء النجاسة والتحريم ، إذا حدث ذلك استصحبنا ومضينا على الحال السابقة وأبقينا ما كان على ما كان. وهذا الفرض خارج عما نحن بصدده.
فرض ثان ، وهو محل البحث ، وبيانه أن نعلم بأن الشارع ربط حكمه على شيء بشرط أن يكون هذا الشيء على صفة خاصة وحال معينة بحيث إذا لم تتحقق هذه الصفة لم يتحقق الحكم الشرعي ، ومثال ذلك أن يقول الشارع : يحرم العنب وينجس إذا غلا. فقد جعل الغليان غاية ونهاية للطهارة والاباحة ، وشرطا لازما للحرمة والنجاسة. وعليه نتساءل : إذا صار العنب زبيبا وغلا فهل ينجس ويحرم تماما كما هو الحكم في العنب ، ولا أثر اطلاقا للاسم والعنوان الذي ورد في دليل الغليان؟.
الجواب :
أجل ، ينجس الزبيب ويحرم مع الغليان تماما كالعنب ، والدليل على ذلك :
١ ـ ان الزبيب هو نفس العنب واقعا في نظر العرف أيضا تماما كالحنطة ودقيقها ، والعجين وخبزه ، والحليب ولبنه ، أبدا ما تغير إلا الشكل ، ولا تعدد إلا الاسم ، أما المسمى والمحتوى فواحد ، وإذا كان العنب والزبيب واحدا لا اثنين عرفا وواقعا ـ فالحكم الشرعي أيضا واحد لا حكمان شرعا وعقلا.
٢ ـ ان في الشريعة الإسلامية أحكاما منها مقيدة ، ومنها مطلقة ، ودليل الاستصحاب يشملهما معا ، فاذا ما ساغ الاستصحاب في أحدهما ساغ في الثاني ، ولا دليل على الفرق إلّا الظن.
وأشكل من أشكل أولا : ان المعلق على شرط لا حظ له من عالم الوجود ، بل هو طي العدم والكتمان حتى يوجد الشرط. وجوابه ان وجود كل شيء بحسبه ، فإن كان مطلقا فوجوده كذلك أو مقيدا فيوجد بوجود قيده ، وكل من الصنفين يناقض العدم المطلق وينافره ، ولا يجتمع معه بحال ، وأوضح دليل على ذلك عدم صحة السلب المطلق عن المقيد.