وقرأت الكثير من حوارهم وجدالهم وما رأيت واحدا تردد في صحة الاستصحاب ، وكل الذي رأيت أن العالم إذا احتج على آخر بالاستصحاب في مسألة من المسائل تحول النقاش إلى توافر شروطه وأركانه او عدم توافرها في المسألة المختلف فيها ، لا إلى نفس الاستصحاب كحجة ودليل ، ومن أجل هذا وحرصا على الوقت المحدود نتجاهل الأدلة الخاوية الواهية على نفي الاستصحاب وعدم صحته.
بناء العقلاء
لقد دأب العقلاء في كل عصر ومكان ومن كل فئة ودين ، واعتادوا بفطرتهم التي فطرهم الله عليها في شئونهم الخاصة والعامة ـ على انهم إذا أيقنوا وتأكدوا من وجود شيء أو عدمه يمضون على يقينهم حتى يثبت العكس.
وليس من شك ان كل معروف عند العقلاء فهو من صميم السنة النبوية شريطة أن لا يصطدم مع نهي الشارع ولا يتخطى الحدود الأساسية لدين الله وشريعته ، وانما أرجعنا بناء العقلاء بشرطه وشروطه الى السنة النبوية ، لأن هذه السنة تتمثل بالاتفاق وتتجسم في قول النبي (ص) وفعله وتقريره ، وبناء العقلاء على الحال السابقة مظهر من مظاهر تقرير النبي وفرد من أفراده ، وعليه يكون الظن الحاصل منه معتبرا عند الشارع ، وخارجا عن الأصل العام الذي تكلمنا حوله في مبحث الظن ، وهو حرمة العمل بالظن إلا ما خرج بالدليل.
وهنا سؤال يطرح نفسه ، وهو بأي شيء تثبت أن النبي (ص) أقر العقلاء وعملهم بالحال السابقة؟. ونستوحي الجواب عن السؤال من قول النائيني : «إن الله سبحانه قد ألهم عباده بالجري على ما سبق في امور معاشهم ومعادهم كيلا يختل النظام». ومعنى هذا أن النبي يستحيل في حقه أن ينهى العقلاء عن طريقتهم هذه ما دامت إلهاما من الله ، ورفقا بعباده ، وحرصا على حياتهم وسعادتهم .. وإذن فلا حاجة بنا إلى القول بأن النبي (ص) لو ردع لنقل الرواة ردعه وزجره ، بل لو نقل ناقل عنه الزجر والحظر لوجب تأويله أو طرحه ،