عن علمه كلية ـ فجزمه وحكمه ليس بشيء ، لأنه أهمل وتجاهل ما تجب رعايته والعناية به ، ومثله تماما من اهتم بالشك وأخذ بأثره ، ولم يمض على يقينه السابق لا لشيء إلا لطيف مرّ لخياله.
وبعد الاشارة إلى الهدف المقصود من الآية نذكر وجه الدلالة فيها على الاستصحاب ، وهو أن الله وبّخ المشركين ، ونفى عنهم العقل والإدراك ، واحتج عليهم بأنهم كانوا بالأمس القريب على علم اليقين بصدق النبي وأمانته حتى أطلقوا عليه لقب الصادق الأمين ، وكان ـ بحكم العقل والبديهة ـ على من جزم وقطع بكذب الدعوة المحمدية أن ينظر إلى سيرة صاحبها وسوابقه ، وفي ضوئها يصدر عليه حكمه ، ولا يسرع إلى القطع بالكذب والافتراء بمجرد اللمحة والبارقة ، وأيضا كان على من تشكك وتردد أن يأخذ بالماضي ويعمل به ، ولا يقف من الصادق الأمين موقف المكذّب والمحارب ، ولو لم يكن لليقين السابق هذا الأثر الذي ذكرناه ـ لما صح الاحتجاج عليهم بسيرة محمد (ص) وصدقه ، ولا توبيخهم بخطاب (أَفَلا تَعْقِلُونَ).
الإجماع
استدل بعضهم على الاستصحاب بالإجماع ، وردوا عليه ب «الكليشة والماركة المسجلة» : الاجماع المحصل غير حاصل ، والحاصل ليس بحجة لأنه منقول ، وبأن دعوى الاجماع لا تسمع مع كثرة الخلافات وتعدّد الأقوال والتفصيلات. وقال النائيني : «نعم يمكن دعوى الشهرة أو ما يقرب من الاجماع على اعتبار الاستصحاب في خصوص الشك في الرافع».
ومهما قيل أو يقال حول الاجماع أو الخلاف ، وان الاخباريين أنكروا الاستصحاب في الحكم الشرعي الكلي ، وان صاحب «الوافية» أقره في الحكم التكليفي دون الوضعي .. إلى آخر ما جاء في كتاب «الرسائل» ، مهما كان أو يكن فإن مدرسة أهل البيت (ع) قد أمرت بالاستصحاب ونهت عن مخالفته. اما أقوال الأقطاب الخالدين علما وتقى وأدلتهم وحججهم فانها تشهد بصراحة أن الاستصحاب عندهم من الأوليات والمسلّمات المتوارثة جيلا عن جيل.