أو انه صامد ومستقر؟ والمراد بالشك في المانع أن نشك في وجود القاطع والناقض لاستمرار البقاء تماما كقطع الشجرة المثمرة ، وهدم الحصن الحصين.
ويظهر من عبارة الأنصاري أن الفقهاء المتأخرين يجرون الاستصحاب مع الشك في المقتضي ، قال : «المعروف بين المتأخرين الاستدلال بالأخبار على حجية الاستصحاب في جميع الموارد ، وفيه تأمل». ونحن مع الذين منعوا الاستصحاب مطلقا وبشتى أقسامه إلا بعد الجزم والتثبت من استعداد المستصحب للبقاء والاستمرار في الوجود الى زمن الشك وعملية الاستصحاب ـ على الأقل.
والدليل على ذلك أن النقض لا يكون إلا بعد الإبرام والنقش بعد العرش ، قال سبحانه : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) ـ ٢٧ البقرة». وقال : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) ـ ٩١ النحل». وقال : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) ـ ٩٢ النحل» ومع الشك في المقتضي لا شيء ثابت ومبرم حتى نمضي عليه ونعمل به ولا نهدمه وننقضه ، واذن فالأخبار القائلة : لا تنقض اليقين بالشك ـ بعيدة كل البعد عن مورد الشك في المقتضي ، أما مع العلم بوجود الاقتضاء والاستعداد للاستمرار والبقاء فإن موضوع النقض يتحقق بالكامل ، فإذا ما طرأ الشك في حدوث الثالم والهادم للبناء فوجّه الخطاب بلا نقض اليقين بالشك .. أي امض وأنت شاك على ما مضيت عليه وأنت متيقن.
هل الاستصحاب بحاجة إلى دليل؟
كل من يدعي شيئا ضروريا لا يطالب بالدليل لأن الضروري لا ريب فيه ، ولكن قد يشتبه الضروري بالنظري ، فيطلب عندئذ الدليل على المدعى به ، وانه ضروري لا نظري ، وفي رأينا أن الخلاف في مسألة الاستصحاب من هذا النوع ، وإن الذين استدلّوا عليه بالنص والعقل وبناء العقلاء أرادوا أن يثبتوا أن الاستصحاب ضروري ولا ينبغي أن يتطرق اليه الشك.
اما نحن فلا نستدل على ذلك بعقل أو بنقل ، بل نتساءل : إذا ما قال قائل : كل ما ثبت باليقين لا يسوغ تجاهله ورفع اليد عنه إلا بدليل ـ نتساءل ـ هل هذه الحقيقة تحتاج إلى دليل؟ وأيضا إذا لم نأخذ باليقين السابق فما ذا نصنع؟