وتدعي العكس ، فينظر إلى حال قدومه : فإن كان موسرا حكم باستصحاب يسره في زمن غيبته وبنفقة ما انفقته أثناء غيبته (١).
الاستصحاب أصل لا أمارة
في فصل ، حول الشك في الحكم فقرة : بين الأصل والدليل ـ قلنا : ان الدليل الظني المعتبر شرعا يسمى بالحجة والأمارة والدليل العلمي ، وأشرنا إلى وجه واحد للفرق بين الأصل والأمارة تمهيدا للحديث عن الاصول الأربعة : البراءة والتخيير والاحتياط والاستصحاب ، والآن نعطف على ما سبق ما يزيده وضوحا ، ويثبت أن الاستصحاب أصل لا أمارة. والفرق بين هذين من وجهين :
١ ـ ان الأصل ينظر إلى الواقع ، ولا يكشف عنه لأن الشك في الواقع جزء مقوم لموضوع الأصل ، وهو بذلك أشبه بالشك المذهبي ، اما الأمارة فعلى العكس ، انها تنظر إلى الواقع ، وتكشف عنه بنحو أو بآخر ، والشك عند العمل بها مجرد ظرف ومورد ، أشبه بالشك المنهجي (٢).
٢ ـ إن المجعول في الأمارة هو اعتبار الظن الناشئ منها ، وتنزيله منزلة العلم من حيث العمل به والالتزام بآثاره ، اما الأصل فالمجعول الشرعي فيه مجرد العمل بمؤداه كبديل عن الواقع بعد أن تعذر الكشف عنه بالعلم أو الظن المعتبر شرعا.
والاستصحاب لا يكشف عن الواقع علما ولا ظنا لأن الشك في الواقع ركن ركين له كما هو الفرض ، وإذن هو أصل لا أمارة. أجل ، يفترق الاستصحاب عن غيره من الاصول والقواعد في ان الدليل الدال على وجوب العمل به قد
__________________
(١) كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية لعلال الفاسي من علماء الطبقة الأولى بجامعة القرويين. وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة أن المالكية يسقطون عن الزوج نفقة زوجته مع عسره سواء أكانت مدخولا بها أم لا. وقال الإمامية : تثبت النفقة في ذمته إلى ميسرة.
(٢) الشك المذهبي غاية عند صاحبه لا وسيلة ، به يبدأ وإليه ينتهي حيث لا طريق بزعمه إلى العلم بأي شيء ، أما الشك المنهجي فهو عند صاحبه وسيلة لا غاية يبدأ به ليبعد الآراء السابقة ، وينتهي عن طريق البحث إلى العلم مجردا عن المؤثرات الذاتية والوهمية.