اعتبر الشك المقوم لموضوعه كالقطع وفي وزنه ومنزلته من حيث الالتزام بآثاره ، ومعنى هذا ان الاستصحاب يصيب الواقع ويحرزه ولا يتجاوزه تنزيلا لا واقعا ، وحكما لا حقيقة ، وتشريعا لا تكوينا ـ ومن هنا أطلق عليه العلماء اسم الأصل المحرز أو الاحترازي ، وقدموه على سائر الاصول ، وأشرنا إلى شيء من ذلك في مبحث الإجزاء ص ٨٩ وقد نعود اليه لمناسبة ثالثة.
هل الاستصحاب من الفقه أو الأصول
قد يقال : الاستصحاب قاعدة فقهية لا مسألة أصولية ، وقبل الجواب نشير بالجملة لا بالتفصيل إلى الفرق بين الفقه وأصوله ، ثم الى الفرق بين الشبهة الحكمية والموضوعية.
يبحث علم الأصول عن الأدلة الشرعية ووجوه دلالتها على الأحكام ، وما يعرض لها من إجمال أو تفسير وتقليم أو تطعيم بصرف النظر عن تعلقها وصلتها بأفعال المكلفين ، أما علم الفقه فيبحث عما يعرض لأفعال المكلفين وما يتعلق بها من وجوب وحرمة ، انظر ص ١٣.
وتفترق الشبهة الحكمية عن الموضوعية في أن الشك في الشبهة الحكمية يرجع إلى الشك في نفس التكليف لا في الفعل الذي تعلق به التكليف ، والسبب الموجب لهذا الشك عدم وصول الأدلة الشرعية أو قصور دلالتها ، أما الشك في الشبهة الموضوعية فيرجع الى الشك في الفعل الذي تعلّق به التكليف لا في نفس التكليف الكلّي ، وسبب هذا الشك اشتباه الأمور الخارجية لا الشرع والأدلة الشرعية. وتقدم الكلام عن ذلك في فصل البراءة ، فقرة : الشبهة الموضوعية.
وبعد هذه الإشارة الخاطفة نقول مع القائلين : كل استصحاب يجري في الشبهة الحكمية فهو من المسائل الأصولية ، لأن البحث فيها بحث عن الدليل الشرعي وما يعرض له لا عما يعرض لأفعال المكلفين ، وكل استصحاب يجري في الشبهة الموضوعية فهو من المسائل الفقهية لأن البحث فيها بحث عما يعرض لأفعال المكلفين لا عن الدليل الشرعي وعوارضه.