قال الفقهاء : تصح العبادة في هاتين المسألتين ، ويسقط الأمر بها ولا تجب الإعادة ومع ذلك لا تسقط المؤاخذة والعقوبة. وفي صحة العبادة هنا نص صحيح وصريح. وشاع حول هذه الفتوى إشكال سجله في الكتب العديد من علماء الفقه وأصوله ، ويتلخص بأنه لا مبرر للجمع بين صحة العبادة واستحقاق العقاب عليها ، لأن معنى صحتها أن المكلف قد أطاع أمرها على الوجه المطلوب ، ومعنى العقاب عليها أنه قد خالف وعصى ، فكيف اجتمع الماء والنار في قبضة واحدة؟.
وأجابوا عن هذا الإشكال بالعديد من الأجوبة ، ولعل أقربها إلى الفهم أن صلاة الجهر مكان الاخفات وبالعكس وصلاة التمام مكان القصر ـ غير مأمور بها إطلاقا حتى يرد الإشكال ، وإنما الإتيان بها عن جهل وتقصير يجزي عن الفريضة المأمور بها ، وتسقط الإعادة في داخل الوقت والقضاء في خارجه بعد انكشاف الواقع والعلم بالخطإ ، وهذا هو المراد بصحة العبادة هنا ، وليس المراد ان هذه العبادة مأمور بها ، اما استحقاق العقاب فإنه على الأصول بالنظر الى تفويت الواجب الأصيل والفريضة المأمور بها.
ولا مانع في نظر العقل أن يكتفي الشارع عن الواجب بغير الواجب لمصلحة هو بها أعلم ، وفي نفس الوقت يؤاخذ المقصر المهمل على تفويت ما وجب ، ومثله كثير في العرف ، وأوضح مثال لذلك أن تقول لولدك : اشتر لحم الغنم ، فيأتيك بلحم المعز ، فتقبله منه مع الملامة والعتاب على المخالفة ، وليس من شك ان كل ما يجوز عقلا ويثبت شرعا يجب الإيمان به والتسليم.