في ترك الجزء أو الشرط نسيانا
لا ريب في أن الأصل عدم صحة العبادة مع ترك أي جزء من أجزائها أو شرط من شروطها حتى ولو كان عن سهو ونسيان ، لأن المشروط عدم عند عدم شرطه بالبديهة ، وبالأولى الكل عند عدم الجزء لأنه من صلب الذات وهويتها ، اما الشرط فأجنبي عنها ولا تأثير له إلا في وجود المشروط لا في حقيقته وطبيعته.
ثانيا : ان الجزء أو الشرط في العبادة كسائر الأمور الواقعية لا يتغير ويتبدل تبعا لذاكرة الانسان أو غفلته ، وعلى حد ما قاله الأنصاري : «ما كان جزءا حال العمد كان جزءا حال الغفلة». فالفاتحة ـ مثلا ـ وهي جزء من الصلاة في حق الناسي والذاكر ، فمن قرأها فقد امتثل وأتى بالمأمور به ، ومن تركهما ولو نسيانا فقد ترك الواجب من الأساس.
أما حديث «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» فليس معناه أن الجزء أو الشرط في العبادة يسقط في حق الغافل عنه ، ويتوجه اليه الأمر بالعبادة ما عدا الشيء المنسي منها ، كلّا ، بل معناه أن الغافل لا ينفذ التكليف في حقه كما ينفذ ويتنجز في حق الملتفت المستيقظ لأن النسيان عذر شرعي وعقلي ، وبكلمة : النسيان يمنع من أداء التكليف والوفاء به لا من تشريعه وإنشائه.
ثالثا : ان محل البحث هنا هو ما يقتضيه الأصل من صحة العبادة أو فسادها ، وهما من الأحكام الوضعية التي يشترك فيها العالم والجاهل والقاصد والغافل.
رابعا : ان الشك في صحة العبادة يرجع إلى الشك في تحقق الامتثال وعدمه بعد العلم بالتكليف ، وهذا هو موضوع الاحتياط ومكانه.
هذا ما يقتضيه الأصل الأول ، وهو عدم صحة العبادة الناقصة الفاقدة لأحد أجزائها أو شروطها الثابتة من غير فرق بين أن يكون الترك والإخلال عن قصد وعمد أو عن غفلة ونسيان.
ويجب العمل بهذا الأصل حتى يثبت العكس بالنص الشرعي على أن الجزء أو الشرط في العبادة مرفوع حال النسيان. ويقول الأنصاري : ان هذا النص غير ثابت كقاعدة تعم وتشمل جميع العبادات وكل جزء أو شرط منسي فيها ، ويمكن ثبوت النص في الصلاة خاصة بحديث «لا تعاد الصلاة إلا من خمس : الطهور