ونحن نجهل وجوب ما زاد على الأقل ونشك في جزئيته كما هو الفرض ، ولا مانع ومحذور من الأخذ باطلاق أخبار البراءة والعمل بأصلها في الجزء المشكوك في طلبه واعتباره ، لأن المانع ، كما أشرنا قبل سطرين أو أكثر ، لا يخلو من أحد أمرين : المخالفة القطعية للحكم الواقعي ، أو الاصطدام مع اطلاق بعض الآيات والروايات ، والعمل بأصل البراءة في الزائد المشكوك لا يستدعي المخالفة القطعية إذ من الجائز جدا أن يكون الأقل المأتي به هو الواجب الواقعي ، وأيضا لا يصطدم أصل البراءة هنا مع أي عموم أو إطلاق في أدلة الأحكام الواقعية ، بل العكس هو الصحيح لأنه يتفق تمام الاتفاق مع إطلاق الدليل الدال على وجوب الأقل لأن كلا منهما ينفي وجوب الزائد المشكوك في جزئيته ، واذن لا مفر من العمل هنا بأخبار البراءة الشرعية وأصلها.
ومتى رفع الشارع التكليف فلا يبقى لحكم العقل بالاحتياط من موضوع ولا من سبب موجب حيث لا خوف في هذه الحال من حساب الشارع وعقابه لأنه هو الذي أباح واذن بالإقدام على ما حجب عنا علمه. ومن هنا اتفق العلماء الا من شذ على أن أدلة البراءة الشرعية واردة على قاعدة الاشتغال ، ورافعة لموضوعها الذي هو الركيزة والاساس لحكم العقل بالاحتياط ، ومثلوا لذلك ـ من جملة ما مثلوا ـ باشتباه القبلة ، فإن العقل يوجب الصلاة في هذا الفرض إلى الجهات الأربع إلا إذا اكتفى الشارع ببعضها لأن حكم العقل هنا فرع لا أصل يدور مدار أمر الشارع وجودا وعدما.
الشك في الجزئية لإجمال النص
إذا كان السبب الموجب للشك في الجزئية اجمال النص ، فالكلام فيه عين الكلام فيما لو كان السبب عدم النص حتى في الاقوال وأدلتها وما يرد عليها لعدم الفرق بين المسألتين ، ومثّل له السيد الخوئي في تقريرات النائيني بقوله : «كما إذا شك في صدق لفظ الصلاة على فاقدة السورة». وقال النائيني برواية الخراساني : «لا فرق في جريان البراءة الشرعية في دوران الأمر بين الأقل والاكثر الارتباطي في باب الاجزاء والشروط والموانع بين أن يكون منشأ الشك في وجوب الاكثر فقدان النص أو اجماله».