الجواب :
إن العلم الاجمالي هنا لا ينحل بوجود العلم التفصيلي كيف اتفق ، وانما ينحل ويذهب إذا حصل العلم التفصيلي بفراغ الذمة خاصة ، والخروج عن عهدة التكليف على كل تقدير عند الطاعة والامتثال ، لا بالعلم بوجود التكليف على كل الفروض والتقادير ، لأن هذا ليس بشيء إذا كان الإتيان بمعلومه ومتعلقه لا يحصل منه العلم ببراءة الذمة من التكليف والتحرر من مسئوليته ، بل يبقى احتمال عدم الطاعة قائما بعد الإتيان به كما هي الحال فيما نحن فيه.
فإن المكلف يعلم تفصيلا بوجوب الأقل ، ما في ذلك ريب ، ولكنه مع هذا العلم يشك من جهة ثانية في ان هذا الوجوب المعلوم يقينا : هل تعلق بالأقل وحده كي يكتفى به عند الامتثال بدون الزائد المشكوك ، أو تعلق به وبهذا الزائد كي يجب الإتيان بهما معا؟. وهذا هو عين الشك في الامتثال بعد العلم بالتكليف ، فيجب الاحتياط ببديهة العقل دفعا للضرر المحتمل. وبالتالي يكون وجود هذا العلم التفصيلي كعدمه .. لأنه لا يغني شيئا في مقام الطاعة وتحصيل العلم بها الذي هو الهدف وبيت القصيد.
وبهذا يتبين معنا أنه لا مكان للبراءة العقلية مع الشك في الجزئية المقصودة بالكلام ، لعدم انحلال العلم الاجمالي ، ووجوب الاحتياط بحكم العقل مع صرف النظر عن الأدلة الشرعية على البراءة التي نعرضها فيما يلي :
البراءة الشرعية
أي شيء نجهل نوع التكليف به ، ونشك في وجوبه أو حرمته فهو مدلول ومشمول لحديث : رفع عن أمتي ما لا يعلمون ، وحديث : ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ، وغير ذلك من أحاديث البراءة ، سواء أكان المشكوك في وجوبه واجبا بذاته ولذاته أو لكونه جزءا أو شرطا لغيره. أجل ، هنا شرط واحد وأساسي للعلم بأدلة البراءة الشرعية ، وهو أن لا يستدعي العمل بها أي محذور عقلي أو شرعي كالمخالفة القطعية للحكم الواقعي ، وكالاصطدام مع اطلاق أية رواية ومعارضتها.