الأصل : البراءة أو الاحتياط؟ ـ مثلا ـ الفقيه يعلم بوجوب هذه الصلاة التي يقيمها في الأوقات الخمسة من كل يوم ، ثم شك لعدم الدليل في ان الاستعاذة بعد تكبيرة الإحرام وقبل بسملة الحمد في الركعة الأولى هل هي واجبة كجزء من الصلاة أو غير واجبة؟ فبأي أصل يأخذ في مثل هذه الحال؟.
والأقوال في ذلك ثلاثة : الأول وجوب الاحتياط للعلم بالتكليف وشغل الذمة به ، وهذا العلم اليقيني يستدعي الامتثال اليقيني بالاحتياط ، فيجب بحكم العقل دفعا للضرر. وهذا القول ضعيف ومتروك عند الكثرة الكاثرة من العلماء ، لأن احتمال الضرر الأخروي الذي هو الموضوع والموجب لحكم العقل بالاحتياط ، لا عين له هنا ولا أثر مع وجود الأدلة الشرعية على البراءة ، والأمن والأمان من الحساب والعقاب. ويأتي التفصيل.
القول الثاني البراءة عقلا وشرعا ، وعليه الأنصاري ، القول الثالث البراءة شرعا لا عقلا ، وعليه النائيني وظاهر عبارة الخراساني في كفايته ، ونحن على ذلك مع العلم بأنه لا فرق جوهريا بين القول الثاني والثالث من حيث النتيجة وعدم الاحتياط ، والفرق أنه على القول الثاني تكون البراءة الشرعية تقريرا وإمضاء للبراءة العقلية ، وعلى القول الثالث تكون البراءة الشرعية واردة على حكم العقل بالاحتياط ورافعة لموضوعه بالبيان الآتي.
وخلاصة السبب الموجب لحكم العقل بالاحتياط بصرف النظر عن الأدلة الشرعية ـ أن العلم الاجمالي يتنجز به التكليف وينفذ تماما كالعلم التفصيلي ، وان الإتيان بالأقل وحده وترك الجزء المشكوك يلازم حتما الشك في الامتثال ، لأن احتمال وجوب المتروك ما يزال قائما. ومتى حصل العلم بالتكليف ولو اجمالا ، وشككنا في الامتثال والخروج عن العهدة ـ قامت الحجة اللازمة ، وتمت العلة الموجبة لحكم العقل بالاحتياط والتحرر من مسئولية التكليف بالامتثال اليقيني.
وتسأل : ان العلم الاجمالي لا أثر له هنا لأنه غير منجز على كل تقدير بعد الفرض بأن وجوب الأقل معلوم بالتفصيل ، وانه لا بد من الاتيان به على كل حال ، إما وحده ، واما مع غيره ، وبتعبير أهل الاصول القدر المتيقن موجود ، ومعه ينحل هذا العلم الاجمالي ويذهب مع الريح ، ويكون الزائد في حكم المشكوك منذ البداية ، فيجري فيه أصل البراءة بلا معارض؟.