وهذا المعنى ـ كما ترى ـ يلتحم وينسجم مع كل عقل غني ، وفهم ذكي ، ومع فطرة الله التي فطر الناس عليها ، ومع الشريعة السهلة السمحة التي لا عسر فيها ولا حرج. وعليه يكون المراد ب «ما» في قول النبي (ص) : «وما لا يعلمون» الذي هو محل الشاهد ، يكون المراد دفع المؤاخذة على الشيء المجهول تكليفا كان كحرمة شرب التتن ـ على فرض الحرمة بعلم الله ـ أو موضوعا للتكليف كالسائل المردد بين الخل والخمر ، وبتعبير علماء الأصول يشمل الدفع «فيما لا يعلمون» الشبهة الحكمية والموضوعية ، والقاسم المشترك بينهما مفهوم الشيء المجهول. ولا عبرة بقول من قال : لا جامع بين الحكم ومتعلقه ، لأن الشيء المجهول والمشكوك لدى الفقيه الحائر يعم الاثنين.
هل يمكن رفع المرفوع
وتسأل : ان دفع الشيء أو رفعه إنما يتصور بعد أن يثبت السبب الموجب لوجود الشيء الذي يراد دفعه أو رفعه ، وبدون ذلك لا يمكن الدفع والرفع حيث لا نقش بلا عرش ، ولا أصل بدون فرع ، وبديهي أن المؤاخذة فرع ونتيجة لوجود التكليف الشرعي ومعصيته ، وأيضا من البداهة بمكان أن الشارع الحكيم لا يكلف المخطئ والناسي والمكره والمضطر ، إلى آخر التسعة المذكورة في الحديث ؛ لأن التكليف مع أي عارض من هذه التسعة إلا الاحتياط في مورد الجهل ـ هو تكليف بما لا يطاق ، وإذن فلا معنى لدفع المؤاخذة بعد العلم بأنها قد ارتفعت وانتفت بانتفاء سببها لا برفع الشارع أو غيره. اللهم إلا على أساس دفع المدفوع ، ورفع المرفوع؟.
الجواب :
ان الاحكام الشرعية الأولية ترتكز على العقل والبلوغ والقدرة ، وتسمى هذه العناصر الثلاثة بالشروط العامة ، لأنها تعم وتشمل كل حكم تكليفي بلا استثناء ، وهي بالكامل مجتمعة شروط رئيسية لأصل التكليف لا لتنجيزه وتنفيذه وبلوغه مرتبة الإلزام والعقاب على معصيته وإهماله. أما غير العقل والبلوغ والقدرة من الصفات الطارئة كالعلم وعدم الخطأ والنسيان وعدم الإكراه والاضطرار ، أما هذه فلا شيء منها بشرط لأصل التكليف وتشريعه ، وإنما هي من شروط تنجيز