التكليف الذي لا ينجز إلا بعد وصول الحجة الكافية ، وبكلمة : وجودها مانع ، وعدمها شرط لتنفيذ الأحكام لا لوجودها في عالم التشريع.
وبعد العلم بهذه الحقيقة يسوغ لنا أن ننتهي إلى القول بأن المراد بدفع المؤاخذة دفع السبب الموجب لها ، وهو التكليف الذي أمره بيد الشارع وضعا ودفعا ، اما الطريق إلى دفعه فيختلف تبعا للموارد وما يطرأ على المكلف من صفات وحالات ، فدفعه عن المخطئ والناسي والمكره والمضطر ـ يتم ويتحقق ببقاء الحكم الواقعي في مرتبته الاولى التي كان عليها في أصل التشريع ولا ينتقل إلى مرتبة التنجيز والتنفيذ التي يكون المكلف معها مسئولا عن الحكم ومؤاخذا عليه.
وعلى هذا يكون معنى رفع الخطأ والنسيان وما دعت الضرورة اليه أو الإكراه ، يكون معناه أن أي عمل يتصف بشيء من ذلك فلا حساب على فاعله ولا عقاب حتى ولو كان حكمه في الواقع التحريم ، لا عقاب لوجود الأعذار الطارئة. هذا فيما يعود إلى حقوق الله سبحانه دون حقوق العباد ، فمن أتلف مال غيره نسيانا أو خطأ لا يرفع عنه وجوب الضمان ، ومثله من أكل مال غيره مضطرا ، لأن العفو هنا وعدم الحساب لا يتفق مع التفضل والامتنان منه تعالى ، بل ولا مع العدالة الإلهية لمكان الضرر بالآخرين.
اما رفع ما لا يطاق فالمراد به هنا دفع التكليف عن غير المقدور من الأساس حتى في عالم التشريع والواقع ، لأن القدرة من الشروط الأساسية لأصل التكليف كما أسلفنا ، وعندئذ يكون معنى قول النبي الكريم (ص) : «رفع عن أمتي ما لا يطيقون» مرادفا لقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ـ ٢٨٦ البقرة». ومثله الطيرة والحسد والوسوسة ما دامت هذه الامور خارجة عن القدرة والطاقة الا ما ظهر من آثارها في القول والفعل ، ومن هنا قال الشارع الحكيم : وإذا حسدت فلا تبغ. ولم يقل : لا تحسد.
اما الدفع فيما لا يعلمون فالأمر فيه سهل يسير ، لأن الاحتياط في مقام الشك ممكن ومقدور ، كما هو الفرض ، فيدفعه سبحانه عن عبده منة وكرما.
هذا ما رأيته أقرب إلى الحق وأيسر على الفهم وأوجز في التعبير بعد البحث والنظر إلى ما قاله الأقطاب حول حديث الرفع ، والعصمة لأهلها. وهناك روايات استدلوا بها على البراءة مثل : الناس في سعة ما لا يعلمون .. ما حجب