الوجه الثاني للاستدلال بالآية الأخذ بمفهوم الوصف ، وبيانه أن منطوق الآية ربط بين وجوب التبين وبين مجيء الفاسق بالخبر ، وهذا القيد والربط يشعر بأن الفسق هو العلة المناسبة لوجوب التبين ، وليس خبر الواحد ، ولو كان الخبر علة للحكم لوجب التعليل به لا بالفسق ، لأن الخبر ذات والفسق عرض ، ولا يسوغ التعليل بالعرض ما دام التعليل بالذات ممكنا ، وهل يسوغ لقائل أن يقول : الأخرس لا يحسن الحديث باللغة الانكليزية لأنه لم يدرسها؟.
ونقض المشتغلون (بأن قلت قلت) نقضوا هذا الاستدلال بأن الوصف لا مفهوم له من الأساس ، وبالخصوص إذا لم يعتمد الوصف على الموصوف كما جاء في الآية ، فإن الوصف فيها تمام الموضوع وليس قيدا له ، ولو قال : إن جاءكم مخبر أو رجل فاسق لكان للقول بالمفهوم وجه ، حيث يكون الوصف قيدا للموضوع لا نفس الموضوع.
وبعد ، فلا أدري لما ذا ركز بعض علماء الأصول كل اهتمامهم على هذه الآية وأوردوا عليها نيفا وعشرين اشكالا مع أن في كتاب الله العديد من الآيات التي لا يتطرق اليها الاحتمال المعاكس ، ومنها على سبيل المثال : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) ـ ١٨٧ آل عمران». ولو لم يكن العمل بالخبر واجبا لما وجب البيان وحرم الكتمان. ومنها : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ـ ٤٣ النحل». ولو لم يكن القبول واجبا لم يجب السؤال.
من السنة
من تتبع سيرة الرسول الأعظم وأهل بيته الأطهار (ص) يقطع ويوقن بانهم كانوا يعتمدون على خبر الواحد في تبليغ الأحكام والارشاد إلى شريعة الإسلام ، فقد بعث النبي لهذه الغاية الآحاد إلى أقصى الأقطار ، وتواتر عن آله الأمر بالرجوع إلى الثقات ، ومن أراد الاطلاع عليها فعليه بوسائل العاملي ورسائل الانصاري. وتجدر الإشارة إلى أن أخبار الآحاد إذا تكاثرت واتفقت معنى ومضمونا تكاتفت وتعاضدت وصارت متواترة تفيد علم اليقين.