وأيضا استدل المانعون النافون بدليل العقل ، وسبقت الإشارة إلى دليلهم الواهي وما فيه في أول فصل الظن ، فقرة : طريق الأمن والأمان. وأيضا استدلوا بدعوى الاجماع ، وأجابهم من أجاب بالقول المكرور : الاجماع المحصل غير حاصل ، والمنقول غير مقبول. ونعطف على هذا الجواب أن القائلين بخبر الواحد أيضا استدلوا بالاجماع. (انظر ما قلناه في فصل الاجماع ، فقرة : تناقض واضطراب).
أدلة الموجبين
أما القول بحجية خبر الواحد غير الضعيف فهو المشهور ، «بل كاد يكون إجماعا» على حد ما قال بعض الأقطاب ، وليس قوله ببعيد. ولا شيء أدل على وجوب العمل بخبر الواحد من سنّة الرسول وأهل بيته ، وسيرة الصحابة والعلماء المراجع في بعث الآحاد إلى الأمصار والبلاد للتبليغ والهداية ، ولو لا ذلك لما قام للدين عمود ، ولا اخضرّ للايمان عود. ولو قلنا بأن خبر الواحد ليس بحجة مع أنه يشمل ويعم فتوى المجتهدين ـ لحرم على الجاهل أن يرجع الى العالم ، وكان الاجتهاد فرضا على العين لا على الكفاية!. ومع هذه البديهة الناصعة فقد استدل الموجبون بالأدلة الأربعة التي نعرضها بايجاز فيما يلي.
من الكتاب
الدليل الأول آيات من كتاب الله. ونكتفي منها بآية النبأ التي تقول : (... إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) ـ ٦ الحجرات». ووجه الاستدلال بها من وجهين :
الوجه الأول الأخذ بمفهوم الشرط حيث أناط منطوق الآية وجوب التحفظ والتثبت بمجيء النبأ من فاسق ، وعليه يكون الشرط الأساسي للعمل بخبر الفاسق هو البحث أولا عن صدقه وكذبه ، فإن تبين الصدق ساغ الاعتماد على خبره والحكم به وإلا وجب الإمساك والإجحام ، ومعنى هذا بمفهوم الكلام أن أي خبر من غير الفاسق فهو غير مشروط بالتحفظ والتبين ، بل يترك أمره وحكمه إلى سامعه إن شاء بحث وسأل عن صدق المخبر غير الفاسق ، وان شاء عمل بالخبر بلا بحث