ورود المطلق والمقيد
ثم ان ورود المطلق والمقيد يقع على وجوه :
١ ـ أن يرد المطلق والمقيد في كلام واحد نحو أعتق رقبة مؤمنة. ولا شك في حمل المطلق على المقيد عرفا وصناعة في هذا الفرض ، أما أهل العرف فإنهم يفهمون من هذا الكلام أن الرقبة المؤمنة هي الغاية والمطلوب ، وان غيرها لا يغني عنها شيئا. وأما أهل الصناعة فقد فلسفوا ذلك بأن الكلام لا ينعقد له ظهور إلا بعد تمامه ، والمفروض هنا أن القيد موصول بالمطلق ولاصق به ، ومعنى هذا أن المطلق ظاهر منذ البداية في مدلول القيد دون سواه من الأفراد تماما كما هو شأن العام المقرون بالخاص فراجع.
٢ ـ أن يكون القيد مفصولا عن المطلق ومستقلا عنه في كلام على حدة ، ولكنهما متحدان موضوعا وحكما وسببا وإثباتا ، كما لو ورد أولا : إن افطرت فأعتق رقبة ، ثم ورد : ان أفطرت فاعتق رقبة مؤمنة. وفي هذا الفرض ينعقد ظهور المطلق في جميع أفراد جنسه على السواء لأن القرينة جاءت بعد تمام الكلام وانعقاد الظهور ، وليس قبله كي تصده وتمنعه.
وعليه يقع التدافع بين ظاهر المطلق وظاهر المقيد في الرقبة الكافرة ، فالمطلق يأمر بالكافرة على سبيل البدل ويقول : هي كافية في الطاعة والامتثال تماما كالمؤمنة ، والمقيد ينهى عنها ويقول : كلا ، لا تجزي إلا المؤمنة ، فما ذا نصنع في هذه الحال؟ هل نرجح ونقدم ظهور المطلق أو ظهور المقيد؟.
الجواب :
نرجح ظهور المقيد ونحمل المطلق عليه أولا لأن القيد قرينة تنطق بما يريده المتكلم من المطلق ، وتفسر المعنى المقصود له وتحدده ، وعليه يكون ظهور القرينة هو الأصل في الكشف ، وظهور المطلق فرع وتبع ، وبديهي أن الأصل مقدم على الفرع وحاكم عليه ، ويجعل وجوده كعدمه بالغا ما بلغ من القوة ما دام غير مراد ، وكلنا يعلم أن ظهور كلمة أسد في الحيوان المفترس أقوى من ظهور كلمة يرمي في الرمي بالنبال ، لأن الظهور الأول بالوضع والظهور الثاني بالإطلاق ، ومع هذا يقدم الظهور الاطلاقي هنا على الظهور الوضعي في قولنا : رأيت أسدا يرمي لأن «يرمي» تكشف ان مراد المتكلم هو الرجل الحاذق في الرمي وليس