والخلاصة أن لفظ المطلق من حيث الصدق والحمل يصدق ويحمل على الفرد الشائع من الماهية وغير الشائع ، أما من حيث الدلالة فإن لفظه لا يدل إلا على الماهية وكفى ، فإذا أردت منه القيد والخصوصية كالعلم والإيمان نصبت قرينة لفظية مثل رقبة مؤمنة ورجل عالم ، وتسمى هذه القرينة بالخاص والقيد ، وإذا أردت من لفظ المطلق الشيوع والانتشار التجأت الى مقدمات الحكمة ، وتسمى بالقرينة العامة. وفيما يلي بيانها.
مقدمات الحكمة
وعلى الرغم من ان لفظ المطلق لا يدل بالوضع على الشيوع في جنسه ولا على اللاشيوع ، وانه قابل للانقسام الى الشائع وغير الشائع ، على الرغم من ذلك فإن لنا أن نثبت بأن المتكلم قد أراد الاطلاق والشمول مستندين في ذلك لا الى دلالة الوضع اللغوي ، بل الى دلالة مقدمات الحكمة التي تتألف من الشروط التالية :
١ ـ أن يكون المطلق قابلا للانقسام الى شيئين أو أكثر كلفظ انسان ، فإنه ينقسم الى الذكر والأنثى ، ولفظ «كلمة» فإنه ينقسم الى اسم وفعل وحرف.
٢ ـ أن يكون المتكلم في مقام بيان ما يريد لا هازلا أو غافلا.
٣ ـ أن لا يكون هناك قرينة حالية أو مقالية تدل على التقييد والتعيين.
مثلا ، اذا قال لك من تجب طاعته : آتني بقلم ، وأنت تعلم أن القلم منه ما يسيل مداده ، ومنه ما لا يسيل ، وشككت : هل أراد القلم السائل أو مطلق القلم ، اذا كان ذلك ساغ لك أن تأتيه بأي قلم شئت ، شريطة أن يكون جادا في قوله ، كما أشرنا في الشرط الثاني ، وأن لا تكون هناك قرينة على انه يريد قلما معينا كما في الشرط الثالث ، أما الشرط الأول فقد فرضنا وجوده في المثال. وهكذا الشأن في كل كلام يحتمل التقييد ، تجري فيه هذه العملية لنفي القيد المشكوك.
وتجدر الاشارة الى ان مقدمات الحكمة هي أقرب الى الأصول العملية منها الى الأصول اللفظية ، وإن كان موردها أو نتيجتها التمسك بإطلاق اللفظ.