من كفر بالله وإلا من عمل لغير الله ، وإن آمن به وصدق. ولا ينبغي الشك في صحة ذلك. وهو خارج عن محل الكلام حتى ولو تعدد المحمول ما دام المستثنى منه واحدا مثل «احسن الى الناس واحترمهم واقض حوائجهم إلا الفساق». واشتبه بعض المؤلفين الجدد في الأصول حيث أدخل هذا النوع في محل الكلام كما يومئ مثاله الذي ذكرناه لأن المستثنى منه واحد فيه. والكلام هنا ينحصر بما اذا تعدد المستثنى منه واتحد الاستثناء مع الاتفاق على انه يرجع يقينا الى الأخير ، والخلاف فيما عداه. والأقوال كثيرة ، وأرجحها نسبيا التفصيل التالي :
١ ـ أن يرد الاستثناء بعد مفردات غير مستقلة لا بعد جمل تامة مثل : تصدق على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل إلا الفسقة منهم. والاستثناء في هذا وأمثاله يرجع للجميع لوحدة المحمول التي تجعل الكلام بمجموعه جملة واحدة ، ومن هنا وجبت التسوية في الحكم بين الكل.
٢ ـ أن يرد الاستثناء بعد جمل تامة تختلف عن بعضها موضوعا ومحمولا ، لا بعد مفردات مثل تصدق على الفقراء ، واحترم العلماء ، ولا تحاسب الأصدقاء إلا الفسقة منهم. والاستثناء في ذلك وأمثاله يرجع للأخير فقط ، وما عداه يحتاج الى القرينة ، لأن استقلال كل موضوع بمحموله الخاص به لا يوجب المشاركة في الحكم ، بل تجوز المشاركة والمخالفة ، والتعيين يطلب الدليل.
وهذا التفصيل خير ما قرأت من الأقوال ، ومهما يكن من شيء فإن الخلاف هنا في رجوع الاستثناء الى الأخير أو الى الكل ، يرجع الى الخلاف في نفس الظهور ، وهو لا يثبت بالدعاوى والأقوال ، بل بفهم الكلام ومورده وكونه مساقا لغرض واحد أو أكثر ، وغير ذلك مما يترك لفهم المخاطب وتقديره.
تخصيص العام بالمفهوم
اتفقوا على أن المفهوم الموافق من جملة الأدلة التي تخصص العام وتقيده. ومثال ذلك قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) ـ ٤٥ المائدة». فهذه الآية الكريمة تثبت حق القصاص للجريح على جارحه أبا كان أو غير أب ، ولكن الآية ٢٣ من الإسراء أخرجت الأب من هذا العموم بمفهومها الموافق ، وهي : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ). فإنها تدل بحكم العقل عن النهي عن الضرب والجرح بطريق أولى مهما كان السبب الموجب.