واختلفوا في المفهوم المخالف : هل يخصص به العام كالمفهوم الموافق أم لا؟ ـ مثلا ـ قول الشارع «في الغنم زكاة» يعم ويشمل السائمة والمعلوفة. فإذا قال بعد ذلك : «في سائمة الغنم زكاة» وفهمنا من ذكر السائمة أنه لا زكاة في المعلوفة ـ بناء على القول بمفهوم الوصف ـ فهل يسوغ لنا أن نخصص العام أي «في الغنم زكاة». بهذا المفهوم ، وننفي الزكاة عن المعلوفة؟.
والجواب عن هذا السؤال يستدعي التفصيل بين صورتين : الأولى أن يكون المفهوم المخالف أخص ، والمنطوق أعم كالمثال المتقدم. وعندئذ يجب تقديم المفهوم وتخصيص العام به ، لأن الخاص قرينة على أن المراد من العام هو مدلول الخاص فقط. ومن البديهي أن القرينة لا يشترط فيها سوى شيء واحد ، هو أن تعبر وتكشف عن مراد المتكلم وكفى ، وبمجرد أن يتحقق هذا الكشف تصبح حجة لازمة ، لفظية كانت أو عقلية أو حالية ومقامية ، أو غير ذلك مما لا حصر ولا ضابط لأفراده وموارده.
ولا يسوغ بحال أن نقارن بين ظهور القرينة وصاحبها لأن مرتبته متأخرة عن مرتبتها من حيث الكشف عن المراد ، وهو محكوم لها وهي حاكمة عليه وإلا لم تكن قرينة. والمقارنة لا تكون ولن تكون إلا مع وحدة الصف والمساواة في الدرجة والرتبة. ونضيف ما سبق تكراره من أن مدرك الحجة لظهور اللفظ هو الكشف عن المراد فإذا علمنا بالمراد من طريق آخر هدرنا الظهور وألغيناه بالغا ما بلغ من القوة.
الصورة الثانية أن يكون بين المفهوم والمنطوق عموم من وجه ، كما إذا قيل أولا : أكرم العلماء. وهذه الصيغة تعم بمنطوقها وتشمل العلماء العدول والفسقة. ثم قيل ثانية : أكرم الناس ان كانوا عدولا. ومفهوم هذه الجملة لا تكرم الناس الفسقة حتى ولو كانوا علماء. ويفترق هذا المفهوم عن المنطوق الأول (أي أكرم العلماء) في الجاهل الفاسق ، ويفترق المنطوق الأول عن المفهوم في العالم العادل ، ويجتمعان معا في العالم الفاسق ، وعندئذ يحدث التدافع والتصادم بين الظهورين : المفهوم ينهى عن إكرامه ، والمنطوق يأمر بإكرامه.
فإن قدمنا المفهوم وخصصنا به المنطوق العام يكون المعنى أكرم العلماء إلا الفسقة منهم ، وعليه فلا يجب إكرام العالم الفاسق ، وان قدمنا العام المنطوق يكون