وفي رأينا ان وجدت القرينة على الدخول أو الخروج ، يعمل بها. ومثال الدخول : قرأت القرآن من أوله الى آخره ، والقرينة هنا سياق الكلام ، ومثال الخروج (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) والقرينة الضرورة والاجماع أن الصيام في النهار لا في الليل. وإن تجرد الكلام واستوى الاحتمالان مثل : نمت البارحة الى الصباح ـ يجب التوقف ، لأن التعيين ترجيح بلا مرجح.
وتظهر ثمرة هذا الخلاف إذا قلنا بمفهوم الغاية ـ يأتي الحديث عنه في الفقرة التالية ـ ونوضح ذلك بمثال من كتاب الله قال سبحانه : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ـ ٦ المائدة». فالمرفق في الآية الكريمة هو حد الغسل وغايته ، فعلى القول بدخول الحد والغاية في المحدود والمغيّا يجب غسل المرفق وجوبا نفسيا على كل حال ، وينتفي الغسل عما بعده أي عن العضد بناء على وجود المفهوم ، وعلى القول بخروج الغاية والحد عن المغيا والمحدود تنفي الآية بمفهومها وجوب الغسل عن المرفق تماما كما تنفيه عن العضد.
الخلاف في مفهوم الغاية
والآن نتحدث عن الخلاف الثاني الذي يتناول مفهوم الغاية ، وقبل أن نحرر محل النزاع نشير الى انه قد ورد في الشرع التقييد بالغاية مثل (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فقد حددت الآية حكم ما قبل الكعبين ، وأوجبت مسحه ابتداء من رءوس أصابع القدم الى الكعبين ، ولم تذكر بصراحة حكم ما بعد الكعبين ، أما حكم الكعبين بالذات اللذين جعلا حدا وغاية فهو منطوق به تماما كالذي قبلهما من حيث وجوب المسح إن قلنا بدخول الحد في المحدود ، وهو غير منطوق به كالذي بعد الكعبين إن قلنا بخروج الحد عن المحدود.
وبعد هذا التمهيد نحرر الخلاف كالآتي : هل يدل التقييد بالغاية ـ مجردا عن القرينة ـ على انتفاء نوع الحكم عما عدا المذكور بحيث نفهم من هذه الآية ان ما بعد الكعبين لا يجب مسحه ، بل وكذلك الكعبان بناء على خروج الحد عن المحدود ، أو لا نفهم شيئا من ذلك؟. وعلى فرض وجود هذه الدلالة ينتفي الحكم عما عدا المذكور بنص الشارع مفهوما ، وعلى فرض عدمها لا ينتفي الحكم ولا يثبت إلا بدليل خاص.