الوجوه والجهات في فعل واحد لا يجعل منه العديد من الأفعال المتباينة بمقدارها وحسبها بحيث يكون كل فعل من فصيلة الجهة التي التحمت به والتصق هو بها ، بل يبقى الفعل كما كان على واقعه وهويته بلا تغيير وتبديل ، ولا تقليم وتطعيم ، بل ولا رفيق مجاور مقارن .. غاية الأمر ان الفعل يحكم عليه بحكم الجهة التي اتحدت معه والتصق هو بها ، فإذا كانت إحدى الجهات العارضة الطارئة محرمة كالغصب والثانية واجبة كالصلاة ـ يكون الفعل واجبا لهذه ومحرما لتلك ، ومعنى هذا ان الشيء الواحد مطلوب فعله وتركه في آن واحد ، وهو محال ، للتكليف بما لا يطاق. ولما كان السبب الموجب لهذا التكليف المستحيل هو الشارع الذي أوجب وحرّم وليس عجز المكلف في مقام الامتثال وتزاحم الفعلين ، لما كان ذلك تحتم علينا أن نجري عملية التعارض بين الحكمين المتنافرين في هذا الفعل بالخصوص وليس عملية التزاحم بين الفعلين المتضادين عند الطاعة والأداء.
من أدلة المجيزين
أما القائلون بجواز الاجتماع بالمعنى السابق فقد استدلوا بكلام غريب عن الحس ، بعيد عن الفهم ، ولكنه موجه بمنطق العقل كما يبدو للوهلة الأولى ، ويتلخص هذا الكلام بأن الأمر والنهي قد تعلقا بطبيعتين مختلفتين لا صلة بينهما ولا اتحاد ، ومن الواضح ان المطلوب هو طبيعة الشيء بخصائصها ، أما مزايا الفرد الخارجي وخصائصه فلا تكليف بها سلبا ولا إيجابا.
فإذا أوجد المكلف الطبيعتين في مورد واحد ، كما لو صلى في دار الغصب فلا تتحول الصلاة عن هويتها الى الغصب ، ولا الغصب يتحول عن حقيقته الى الصلاة ، ولا يتحد أحدهما مع الآخر ، ولا يسري أمر الصلاة الى الغصب ، ولا نهي الغصب الى الصلاة ، بل يبقى كل منهما على ما كان من قبل غاية الأمر أن المكلف قرّب بينهما وجمع شملهما في صلاة بأرض السلب والنهب ـ لا جوزي بخير ـ ويترتب على ذلك أن ما تعلق به الأمر ، بالنسبة الى الصلاة في مكان الغصب ، غير ما تعلق به النهي ، وهذا غير ذاك ، وان المكلف قد وافق الأمر بالصلاة المجاورة للغصب ، وخالف النهي بالغصب الكائن الى جنب الصلاة فاستحق الثواب على طاعة الأمر ، والعقاب على معصية النهي.