الوجوب الى الحرام ، وتسرب الحرمة الى الواجب ، ولا تبحث عن دلالة اللفظ وشئونه. وبكلمة ، إن البحث هنا في جواز اجتماع الأمر والنهي عقلا ، لا في دلالة اللفظ على هذا الاجتماع أو عدم دلالته.
سؤال ثان : قلت في بيان الخلاف وتحريره : بناء على اتحاد متعلق الأمر ، ومتعلق الأمر هذه تدخل مسألتنا في باب التعارض ، وبناء على التعدد وعدم الاتحاد تدخل في باب التزاحم ، ومعنى هذا ان مسألة اجتماع الأمر والنهي ليست أصولية حيث لا يستنتج منها الحكم الشرعي مباشرة بل بالواسطة ، وعليه فما هو المبرر لبحثها في علم الأصول؟.
الجواب :
أجل ، ليست هذه المسألة بأصولية ، بل هي من المبادئ التصديقية (١) ، وانما ذكرت هنا لأن البحث ـ كما قال صاحب الحاشية الكبرى على المعالم ـ في اجتماع الوجوب والتحريم ، وهما مدلولان للأمر والنهي ، فأدرجت في مباحثهما. وعلى أية حال فالأمر سهل يسير.
وقد أسهب وأطنب في ذكر الأدلة وايرادها من قال باجتماع الأمر والنهي ومن أنكره أيضا. ووقفت حائرا لا أدري هل ألخصها وأعرضها بالكامل ، أو أختار منها العمدة والأرجح في ظني ومعرفتي ، ثم أعقب بما رأيت وارتأيت؟ واستقر العزم على الثاني رحمة بالطالب ، على اني أحاول ضغط دليلين أو أكثر في واحد.
من أدلة المانعين
في تقريرات الأنصاري : إن جمهور المعتزلة وبعض الأشاعرة وأكثر علماء الشيعة بل إجماعهم بشهادة صاحب المعالم وصاحب المدارك وغيرهما ، كل هؤلاء ذهبوا الى امتناع اجتماع الأمر والنهي بالمعنى المتقدم.
واستدلوا بأن الأحكام الشرعية الخمسة متنافرة ، ولا تتعلق إلا بأفعال المكلفين الاختيارية ، وقد يكون لفعل واحد أكثر من وجه لسبب أو لآخر ، ولكن تعدد
__________________
(١) كل ما يتوقف عليه العلم واليقين بنسبة المحمول إلى الموضوع فهو من المبادئ التصديقية.