عن أضداده الوجودية. وذلك بأن مراد المتكلم يعرف ويكتشف من كلامه ، والمفروض في مسألة الضد أن المتكلم الآمر لم ينطق بسوى الأمر. والحس يشهد والبديهة أن صيغة الأمر غير صيغة النهي ، فقول الشارع مثلا : «صل» ليس عين قوله : «لا تنم» كي يدل أحدهما على الآخر بالمطابقة ، ولا هو جزء منه ليشير اليه بالتضمن ، ولا من لوازمه كي يوشي به ، وإذن كيف؟ ومن أين اقتضى الأمر بالشيء نهيا عن ضده الوجودي؟ وأية ضرورة أوجبت أن يكون كل آمر بشيء ناهيا عن ضده؟ ومرة ثانية لا شيء يدل على أن النهي عن الضد مدلول للآمر بالشيء أو مقصودا للآمر.
أما القول بأن المأمور به لا يتم إلا بترك ضده فهو ـ كما تمليه البديهة ـ من لوازم وجود الفعل في الخارج لا من لوازم وجوبه والأمر به ، لأن هذا التمانع والتعاند موجود بين الأضداد بحكم الواقع وطبيعة الحال حتى ولو لم يوجد أمر ونهي ، والاسم هنا ينبئ عن هوية المسمى.
وتسأل : إن المعيار في تحديد معاني الألفاظ هو فهم العرف ، وأهله يفهمون من الأمر بالسكون النهي عن الحركة ، ومن الأمر بالحركة النهي عن السكون ، ومعنى هذا ان الأمر بالشيء نهي عن ضده عند أهل اللسان واللغة.
الجواب :
إن هذا الفهم ـ على فرض التسليم به ـ يختص بالضدين اللذين لا ثالث لهما ، ولا يتعداهما الى سائر الأضداد. والسر ان السكون عين ترك الحركة ، والحركة عين ترك السكون في أفهام الناس تماما كما ان فعل الشيء عين ترك الترك له ، وعليه يكون الأمر بالسكون أمرا بترك الحركة ، وليس نهيا عنها وان كان المعنى واحدا. وبالتالي فإن الضدين اللذين لا ثالث لهما خارجان عن محل الكلام تماما كالنقيض أي ترك المأمور به.
أما القائلون بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ـ فعمدة ما لديهم دليلان : الأول ان فعل المأمور به يستلزم حتما ترك ما ينافره من الأضداد ، لأن الضدين لا يجتمعان ، والمتلازمين في الوجود يجب أن يتحدا في الحكم وإلا لزم جواز الجمع بين الضدين ـ مثلا ـ فعل الصلاة يستدعي بطبعه ترك الكتابة ، والصلاة واجبة شرعا فيجب أيضا ترك الكتابة اللازم حتما لأداء الصلاة ، ولو