الجواب :
ان المراد بالمقدمة المفوتة هنا خصوص المقدمة العقلية التي لها تأثير في قدرة المكلف على إيجاد المأمور به في حينه بما له من أجزاء وشروط بحيث إذا لم يبادر المكلف فاته الواجب ، ومن هنا حكم العقل بتحصيلها قبل الوقت على تقدير الانحصار بها ، أما المقدمة الشرعية فهي خارجة عن بحث المفوتة لأن الشارع هو الذي يعتبرها ، وبعد اعتباره لها تكون بحكم الجزء من المأمور به ، فالوضوء وان كان من مقدمات الوجود دون الوجوب لكن الشارع أمر به عند الصلاة لا قبلها. قال سبحانه : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الخ ـ ٦ المائدة». ولا نص على وجوب الوضوء قبل الوقت فكيف نوجبه نحن؟
ومن البديهي ان عدم وجوب الوضوء شرعا قبل الوقت لا يتنافى مع حكم العقل بوجوب المبادرة قبل الوقت الى المقدمة التي يفوت الواجب بفواتها لو لا هذه المبادرة. وبهذا نعرف الفرق بين حفظ الماء قبل الوقت مع الحصر به ، وبين الوضوء قبل الوقت ، وان الأول وجب لأنه مقدمة عقلية يتوقف عليها امتثال الواجب في حينه ، ولم يجب الثاني لأنه مقدمة شرعية نص الشارع على وجوبه عند الصلاة ، ولم ينص عليه قبلها ، والأمر له وفي يده.
النفسي والغيري
إن الغاية القصوى من كل ما يأمر به الشارع أو ينهى عنه هي الحياة الراضية المرضية عند الله سبحانه والصالحين من عباده .. أبدا لا يدع الاسلام شيئا فيه خير وصلاح للناس بأية جهة من الجهات إلا أمر به ، أو فيه شر وفساد إلا نهى عنه.
أجل ، قد يأمر سبحانه بشيء كوسيلة لأمر آخر ، وهذا الآخر أيضا قد يكون وسيلة لغيره ، ولكن الأوامر بكاملها تقع في سلسلة واحدة تنتهي الى طلب الحياة الطيبة دنيا وآخرة. وما رأيت في الشرع الاسلامي كلاما مطلوبا لذاته ومن حيث هو إلا النطق بالشهادتين حيث يكون لمن نطق بهما ما للمسلمين وعليه ما عليهم في الحياة الدنيا ، أما في الآخرة فحسابه عند ربه ، أما الذكر والقراءة في الصلاة واسم الله في النذر واليمين فلمجرد الصحة وكفى.