كما أن حياة الإنسان ليست مختصة بهذه الحياة المادية وهي الحياة الدنيا ، وإنّما الحياة الحقيقية لهذا الإنسان الدائمة الأبدية المستمرة هي الحياة الآخرة وهي حياة غيبية.
ثم إن هذه الحياة الدنيوية فيها جانب غيبي في مستقبل زمانها وتاريخها ، وهو ما تشير إليه بعض الآيات والروايات العديدة عن أهل البيت ، من (الرجعة) التي قد تمثل دورة ومرحلة جديدة للحياة الإنسانية ، تعبر عن الكمال فيها (١).
إذن ، فالرسالة رسالة غيبية ، والإنسان نفسه فيه جانب غيبي ، وحياة الإنسان ـ أيضا ـ فيها جانب أعظم وأهم وهو الجانب الغيبي ، فعنصر الغيب لا بد أن ننظر إليه دائما عند ما نريد أن نفسر الظواهر ذات العلاقة بالإنسان وحركته ، ولا يمكن أن نفسر الظواهر ذات العلاقة بحركة الإنسان بالتفسيرات المادية المحضة ، أو المدركة والمشهودة وحدها ، وإنّما يمكن أن يكون وراء الكثير من الظواهر القائمة في حياة الإنسان أسباب وعناصر غيبية ، لا يمكن للإنسان أن يعرف كل أبعادها وكل خصوصياتها.
وفي هذه الظاهرة يمكن أن نفترض وجود العنصر الغيبي ـ أيضا ـ لأن الله سبحانه وتعالى يصطفي من عباده من يشاء وله في أوليائه أحكام خاصة ذات علاقة بهؤلاء الأنبياء ، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدة آيات.
كما أن هذا الأمر ليس أمرا غريبا في تاريخ الرسالات الإلهية ، فمثلا نلاحظ أن
__________________
(١) الرجعة فكرة ورد تأكيدها في روايات أهل البيت عليهمالسلام إلى حد التواتر أو التضافر ، وأشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) غافر : ١١ ، ويوجد فيها تفاصيل لا تبلغ حد القطع واليقين ، ولا مجال لبحثها في هذا العرض ، ولعلنا نوفق لذلك في كتاب آخر لهذه الموسوعة ، نتناول فيه عددا من القضايا والأفكار.