تفسير العدد المحدود
ولكن يبقى عندنا الجانب الآخر ، وهو ما نريد أن نبحثه في عرض النظرية وهو تفسير هذه الظاهرة مع قطع النظر عن هذه الأدلة ، ما هو تفسير أن يكون العدد محدودا بهذه الصورة ، مع أن الرسالة الإسلامية رسالة خاتمة ، والأمة الإسلامية أمة باقية حتى تقوم الساعة؟ ولما ذا توضع الإمامة محصورة بعدد معيّن من الناس ، ويكون هذا العدد هو اثنا عشر؟
هذه القضية تحتاج إلى تفسير كبقية الظواهر الكونية والاجتماعية ، بما ينسجم مع نظام الحكمة الإلهية ، ومع قطع النظر عن الأدلة السابقة المشار إليها التي نستدل بها في علم الكلام ، من أجل تصديق هذه الظاهرة ، وبيان نسبتها إلى الإسلام وإلى الرسالة الإسلامية.
في تفسير هذه الظاهرة يمكن أن نشير إلى أمرين رئيسيين :
التفسير الغيبي للظاهرة
الأمر الأول : هو الأمر الغيبي ، فقد ذكرنا في حديثنا عن النظرية وهنا ـ أيضا ـ نذكر ذلك ، وسوف نبقى نؤكد هذا الموضوع وهو أن الرسالة الإسلامية وكل الرسالات الإلهية هي ظواهر غيبية ، مرتبطة بعالم الغيب ، وحياة الإنسان الذي أرسلت إليه هذه الرسالات ـ أيضا ـ فيها جانب غيبي ، لأن الله تعالى وإن كان قد خلق الإنسان من طين لازب ، ومن ثم ففيه هذا العنصر المادي ، فهو لحم وعظم ودم ، وغير ذلك مما يتمثل فيه الجانب المادي في الإنسان ، ولكن الله تعالى قد خص الإنسان بخصوصية دون غيره من المخلوقات المنظورة ، وهو أنه نفخ فيه من روحه ، وهذه الخصوصية لا نراها في أي موجود آخر يتحدث عنه القرآن الكريم ، وقد تكون موجودة في مخلوقات عالم الغيب التي لا نعرفها ، وهي خارج النظام الكوني المشهود.