في يوم القيامة ـ أيضا ـ على هذه الشهادة ، لئلا يقول الإنسان في يوم القيامة : إني كنت غافلا عن ذلك ، فتكون الحجة لله.
نحن الآن لا ندرك ذلك بصورة مشهودة ، فهو أمر غيبي في خلق الإنسان ، نعم قد ندرك بفطرتنا وبوجداننا هذه الحقيقة المعبرة عن هذا الجانب الغيبي وهذا الاعتراف بالحقيقة الإلهية ، عند ما تكون الفطرة سليمة ، ولكن هذا المشهد الذي يشير إليه القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة لا نحس به في حالتنا المادية ـ وإن كنا ندرك الحقيقة في وجداننا وفطرتنا ، من خلال إيماننا بالله تعالى والاعتراف بالربوبية له تعالى ـ وإنّما هو مشهد غيبي يتحدث عنه القرآن الكريم في أصل خلق الإنسان ، ومن ثم فهناك عنصر غيبي يتحكم في هذا الجانب.
الثالث : والذي يمكن أن نستنبطه من القرآن الكريم ـ أيضا ـ هو حديث القرآن الكريم الواسع والكثير ، الذي يمتد في عدد كبير من الآيات والمناسبات والآفاق حول (الاصطفاء) و(الاجتباء) في حركة التاريخ.
القرآن الكريم في آيات كثيرة ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) ـ يتحدث عن ظاهرة الاصطفاء كظاهرة غيبية ، وقضية من القضايا الإلهية الغيبية التي لا تخضع للتفسيرات المادية سارية ـ أيضا ـ في حركة التاريخ ، اصطفى الله تعالى آدم اصطفاء خاصا ، واصطفى نوحا ، ثم اصطفى إبراهيم وآل إبراهيم ، ثم اصطفى عمران وآل عمران ، وكذلك أكد القرآن الكريم أن هذا الاصطفاء ليس أمرا واقفا على هذه الأسماء وهذه الجماعات ، وإنّما هو قضية ذات امتداد في الذرية ،
__________________
(١) آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤ ، وهناك آيات عديدة يمكن أن يجدها الباحث في مادة الاصطفاء والاجتباء وغيرها في المعجم المفهرس.