وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (١) ، فالإنسان ليس موجودا ماديا متمحضا في الجانب المادي فقط ، وإنّما فيه عنصر غيبي ، وهذا العنصر الغيبي امتياز شاء الله تعالى أن يتعامل معه ـ أيضا ـ من خلال الغيب ، بمعنى أن هناك الكثير من الأسرار في حركة الإنسان وحركة التاريخ الإنساني ترتبط بالغيب ، ولم يشأ الله تعالى أن يكشف هذه الأسرار للإنسان في هذا العالم ، ولكن قد يكون لهذه الأسرار أثر في تكامل حركة الإنسان في حياته الدنيوية التي لها ارتباط ـ أيضا ـ بالغيب في هذا العالم المشهود ، وكذلك التكامل في حياته الأخروية ، لأن الحياة المادية الدنيوية لهذا الإنسان هي حياة محدودة ، والحياة الحقيقية ـ كما يعبر القرآن الكريم ـ إنما هي الحياة الآخرة ، (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٢) ، وهي الحياة الممتدة الطويلة الأبدية الخالدة ، وهذه الحياة الحقيقية هي حياة غيبية.
فهناك الكثير من الأسرار ذات العلاقة بالإنسان وحياة هذا الإنسان لم تكشف لهذا الإنسان ، ولها تأثير في حياته في عالم الآخرة ، بل ومن خلال حركة الإنسان ـ أيضا ـ في هذه الدنيا.
وهذا الأمر لا بد أن نؤكد عليه دائما في تفسير الكثير من الظواهر الإنسانية ، فإنه لا يمكن أن نفسر الظواهر الإنسانية بالتفسيرات المادية فقط ، لوجود الجانب الغيبي في الإنسان ، ومن ثم فلا بد أن نفترض وجود جانب من التفسير يرتبط بهذا الغيب.
وهذا الأمر ليس مجرد فرضية واحتمال عقلي ، وإنّما يمكن أن نجد له شواهد من القرآن الكريم أيضا ، فقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الجانب الغيبي في
__________________
(١) السجدة : ٩.
(٢) العنكبوت : ٦٤.