إلى أمرين يمكن أن نفهم منهما هذه السنة التاريخية :
أحدهما : الانتقال بالإشارة إلى نوح عليهالسلام (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) ليربط هذا التاريخ بما قبل إبراهيم عليهالسلام.
ثانيهما : تعميم النعمة على الآباء والذريات والإخوان ، مما يفهم منه القانون العام (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ).
وهكذا ما ورد في سورة مريم ، عند ما تحدث القرآن الكريم عن مجموعة من الأنبياء : إبراهيم وبعض ذريته وإدريس قبل إبراهيم ثم يختم الحديث بالقانون العام (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) (١).
والشيء نفسه ـ أيضا ـ يذكره القرآن الكريم في سورة الحديد ، ولكن على نحو الإشارة ، وذلك عند ما يتحدث عن نوح وإبراهيم عليهماالسلام ، حيث جعل في ذريتهما النبوة ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢).
وموارد أخرى لا يسع المجال لتفصيلها.
إذن فهذه من السنن التي كانت تحكم مسيرة الرسالات الإلهية ، فلا نرى غرابة في أن هذه السنّة تجري ـ أيضا ـ في هذه الرسالة الخاتمة ، بل هي امتداد لسنّة إلهية ، شاء الله أن يجعلها حاكمة على مسيرة الأنبياء والمرسلين منذ بداية الرسالات الإلهية وإلى نهايتها.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الإمامة بدأت من نوح عليهالسلام ـ كما يذهب إلى ذلك
__________________
(١) مريم : ٥٨.
(٢) الحديد : ٢٦.