ثم لا يكتفيان بأن تكون هذه الذرية ذرية مسلمة مهتدية مقبولة ، بل تترقى هذه الدعوة بأن يطلبا أن تكون هذه الذرية ذرية تتحمل مسئولية النبوة والرسالة ـ أيضا ـ (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١).
ولذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يفتخر ويقول : «أنا دعوة أبي إبراهيم عليهالسلام» (٢) ، يعني كان يرى نفسه في تحمله لهذه الرسالة أن ذلك كان استجابة لدعوة إبراهيم عليهالسلام عند ما كان يرفع القواعد في البيت.
الإمامة في الذرية سنّة
النقطة الثانية : أننا نلاحظ في دراستنا لتاريخ الأنبياء والمرسلين أن هذا التكريم قد تحول إلى سنّة من السنن الواضحة في التاريخ الرسالي ، وذلك عند ما نرجع إلى القرآن الكريم ومفاهيمه وآياته وتصوره لحركة الرسالات الإلهية والأنبياء ، ومن ذلك ما نقرأه في قوله تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ* وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣) ، فعندها نجد أن القرآن الكريم يتحدث عن إبراهيم عليهالسلام وكيف جعل الله تعالى في ذريته النبوة ، ويذكر مجموعة من أسماء الأنبياء من ذريته بدون ترتيب زماني ، ثم يشير
__________________
(١) البقرة : ١٢٧ ـ ١٢٩.
(٢) بحار الأنوار ١٢ : ٩٢ / ١.
(٣) الأنعام : ٨٣ ـ ٨٧.