خلال ذريته الصالحة ، وقد أكد هذه الحقيقة الفطرية القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة في عدة مواضع (١).
إذن ، فهذه القضية هي قضية ترتبط بكلا الجانبين ، الجانب الإلهي الخالق المنعم الكريم الجواد المتفضل على أنبيائه ، المجيب لدعائهم وندائهم ، وبالجانب الإنساني العبودي ، المتمثل بهؤلاء الأنبياء الذين أخلصوا لله تعالى في العبودية ـ أيضا ـ فإنه من جملة إخلاصهم وإحساسهم بالعلاقة الأكيدة مع الله تعالى ، أنّهم كانوا يتمنون على الله ويرجون منه ويدعونه في أن يجعل من ذرياتهم أئمة وهداة ، يضمن لهم البقاء والاستمرار في عبوديتهم لله تعالى ودورهم ومهمتهم في الحياة الإنسانية.
فهذا إبراهيم عليهالسلام وهو شيخ الأنبياء ، عند ما خاطبه الله تعالى وابتلاه بكلمات من عنده ، فجعله إماما للناس (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...) ، كان أول شيء يطرحه على الله تعالى ويرجوه منه ، أو يسأل عنه ، عند ما يحمّله الله تعالى هذه المسئولية ، هو أن تكون هذه الإمامة في ذريته ـ أيضا ـ (... قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢).
وكذلك الحال في إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام وهما يقيمان دعائم البيت (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، هذان في البداية يطلبان القبول من الله تعالى لهذا العمل العظيم ، ثم يدعو انه تعالى أن يكونا مع ذريتهما من المسلمين المهتدين المنيبين إليه المقبولين لديه ، (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
__________________
(١) هذا بحث قرآني واجتماعي مهم يرتبط بدراسة علاقة الإنسان بذريته ، وشعوره بالبقاء والخلود من خلالها.
(٢) البقرة : ١٢٤.