إذن ، فعند ما تكون من خصائص هذه الرسالة وجود هذه الدولة ، فهذه الدولة تحتاج إلى قيادة تقودها ، وهذه القيادة لا بد أن تكون منذ البداية معصومة ، لتتخذ الدولة صيغتها الإسلامية الكاملة في التطبيق ، المتميزة عن الصيغ الأخرى ، وهذا إنما يتحقق من خلال الإمامة ؛ لأن مثل هذه الدولة ، ومثل هذه التجربة لا يمكن أن تقاد وبصورة كاملة وصحيحة ، بحيث تحقق كل الأهداف التي جاءت بها الرسالة ، إلّا بمثل هذه القيادة التي نعبّر عنها بالإمامة.
وهنا ينفتح أمامنا باب بحث الخلافة الإلهية ، فإن بحث الخلافة الذي هو من الأبحاث الكلامية المهمة التي يتناولها علماؤنا ، ويستدلون فيها على تشخيص من يتولى الخلافة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ويقوم بإدارة هذه الدولة ، هذا البحث فيه بعدان ؛
بعد يرتبط بالجانب العقائدي وهو استمرار الرسالة في الإمامة وعصمة هذه
__________________
وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً ...) ، المائدة : ٢٠ ، فإن بعض هؤلاء الأنبياء أقاموا دولة ، ولكن هذه الدولة التي أقاموها تختلف بحسب مضمونها وهويتها وخصوصياتها عن هذه الدولة الإسلامية التي أقامها النبي صلىاللهعليهوآله ، ليس بحسب سعتها ودائرة وجودها وتفاصيلها ، بل بحسب الهوية والمضمون ـ أيضا ـ وهذا بحث أشرت له بصورة موجزة ـ أيضا ـ في بحث (العالمية والخاتمية والخلود) كصفات للرسالة الإسلامية.
ولكن بصورة اجمالية يمكن أن نقول : إن الدول التي أقامها هؤلاء الأنبياء أقاموها من خلال التحولات البشرية للقدرة والسلطان ، فهي دولة ملك سلطان يمكّنه الله تعالى من القدرة في المجتمع ، فيقيم حكم الله تعالى ، لا أنها دولة أقيمت منذ البداية على أساس الحركة التغييرية للمجتمع الإنساني الذي تقودها الرسالة التي جاء بها هذا النبي ، والصراع السياسي والتغيير في المجتمع الإنساني ، لإقامة حكم الله في الأرض.
فقد مكّن الله تعالى داود عليهالسلام كقائد عسكري من أن يمسك بالقدرة ، فيقيم ـ بطبيعة الحال ـ حكم الله ، ولذا توجه إليه الخطاب الإلهي (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى ...) ، ص : ٢٦ ، فمن الطبيعي أن يحكم بين الناس بالحق.
إذن ، فكانت هناك قدرة بموجب طبيعة حركة انتقال السلطة بين الناس ، ومن بعد هذه القدرة أقيمت هذه الدولة.
أما النبي صلىاللهعليهوآله فقد أقام دولة الإسلام كمشروع طرحه منذ البداية ، ثم أسسه وأقام دعائمه.