ذكرنا سابقا ـ هو أن الله تعالى شاء أن يحفظ هذه الرسالة بمضمونها الرسالي بصورة كاملة من خلال القرآن الكريم ، ولذا لم تحتج إلى النبوات التابعة ، أما الرسالات السماوية الأخرى فقد تعرضت للتحريف والضياع ، لأسباب يطول الحديث فيها (١).
وكان أحد الامتيازات المهمة ـ أيضا ـ هو أنها تمكنت من أن تقيم الدولة الإسلامية (الكيان السياسي الإسلامي) في المجتمع الإنساني في عصر صاحب الرسالة وبعده.
فقد دعت الرسالات السابقة إلى إقامة الحق والعدل بين الناس وإلى تحكيم ما أنزل الله تعالى بين الناس ، كما دعت الرسالات الإلهية الأخرى إلى ذلك ، فقد قال القرآن الكريم في سياق الحديث عن نزول التوراة : (... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ، وقال في سياق الحديث عن نزول الإنجيل : (... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، كما قال في سياق الحديث عن نزول القرآن الكريم : (... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٢).
إذن ، فقضية الدعوة إلى إقامة الحكم بين الناس ليست خاصة بخصوص الرسالة الإسلامية ، بل أن قضية إقامة الحكم بما أنزل الله بين الناس هي قضية ترتبط بكل الرسالات الإلهية.
ولكن شاء الله تعالى في حركة وتاريخ هذه الرسالات الإلهية أن يقوم الحكم بين الناس كحالة سياسية اجتماعية خارجية ، نعبّر عنها بقيام الدولة الإسلامية ،
__________________
(١) لا أريد أن أتعرض هنا إلى جميع امتيازات الرسالة الخاتمة على الرسالات السابقة ، وقد أشرت إلى بعض هذه الامتيازات في بحث (العالمية والخاتمية والخلود) في رسالة الإسلام ، ولكن أريد أن أشير هنا إلى الامتيازات التي هي محل الشاهد في بحثنا هذا.
(٢) المائدة : ٤٤ و ٤٥ و ٤٧.