والشواهد
التاريخية على هذه الحقيقة عديدة تؤكد النظرية التي أشارت إليها الآيات القرآنية
المذكورة ، وهذه الآيات تكفي أن تكون شاهدا ودليلا عليها ، ولكن الواقع التاريخي
شاهد ـ أيضا ـ على هذه الحقيقة ، فإن ظاهرة الاختلاف ظاهرة قائمة وثابتة في
التاريخ الإنساني ـ كما ذكرنا ـ كما أنها ظاهرة ثابتة في التاريخ الإسلامي في زمن
النبي وبعده ، ولا يمكن لأحد من الناس أن ينكرها أو يخفيها ، فهذه القضية ليست
مجرد قضية نظرية ، وإنّما هي قضية ذات واقع قائم في المجتمع الإنساني والإسلامي
كله ، وهذا هو ما نواجهه ـ أيضا ـ في هذا العصر والزمان.
الإمامة والاختلاف
في التأويل
النقطة
الثانية : أن الرسالات
الإلهية تواجه ـ عادة مع غض النظر عن الاختلاف الأول الذي ذكرناه في النقطة الأولى
ـ بعد ثبوتها ورسوخ أقدامها نوعا آخر من الاختلاف وهو الاختلاف في تفسير هذه
الرسالة ، وفهم مداليها وتأويلها وتجسيد المصاديق الخارجية فيها ، وهذا نوع آخر من
الاختلاف ، أشار إليه القرآن الكريم في كثير من الآيات الكريمة التي تحدث فيها عن
أهل الكتاب وما اختلفوا فيه من تأويل الكتاب ، منها قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما
أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما
يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ
الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ* أُولئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ
عَلَى النَّارِ* ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ
الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) .
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ
الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ
__________________