سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ...) (١) ، فهي معركة إزاحة هذه الآلهة المصطنعة عن طريق الهدى والصلاح والخير الذي يقوده الأنبياء (٢).
وهذه المعركة عمرها أطول من عمر النبي ، فإن عمر الرسول مهما طال زمانه لا يستوعب زمان الاختلاف ، لأن الله تعالى جعل قضية الاختلاف بين الناس سنّة من السنن الطبيعية التي تحكم حركة التاريخ في كل الأدوار ، فقضية الاختلاف قضية قائمة لا يختلف فيها زمان عن زمان ، ولا تنتهي هذه القضية إلا بنهاية حركة البشرية ، أو بلوغها سن الرشد الاجتماعي ، والقرآن الكريم يشير إلى ذلك ـ أيضا ـ في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ...) (٣).
إذن ، فالمعركة ضد الاختلاف تحتاج إلى من يقودها ، وزمنها أطول من زمن النبي ، ولو كانت هذه المعركة تنتهي بزمن النبي كان يمكن للنبي أن ينهي المعركة ولا نحتاج إلى من يقودها من بعده ، ولكنه لما كانت هذه القضية هي سنّة تحكم حركة التاريخ ، فنحتاج إلى من يقود هذه المعركة ، معركة إزاحة الآلهة المزيفة والمصطنعة أمام الحركة التكاملية للإنسان.
وقيادة هذه المعركة تارة تكون من قبل نبي يقوم بدور الإمام ـ أيضا ـ كما في كثير من الأنبياء السابقين التابعين ، وأخرى تكون من قبل الإمام الذي لا يتصف بعنوان النبوة لعدم الحاجة إليها ، ولما كانت الرسالة الإسلامية هي الرسالة الخاتمة الكاملة المحفوظة ، ونبوة محمّد صلىاللهعليهوآله لا نبوة بعدها ، اقتضى أن يكون الدور للإمامة التي لا تتصف بالنبوة.
__________________
(١) النجم : ٢٣.
(٢) المدرسة القرآنية : ١٩٥ ـ ١٩٦.
(٣) هود : ١١٨ ـ ١١٩ ، ولعل في الاستثناء إشارة إلى سن الرشد هذا.