الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ* وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١).
كما أن بعض الآيات القرآنية أشارت ـ أيضا ـ إلى كلا النوعين من الاختلاف ، كما في قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢).
وهذا النوع من الاختلاف هو معركة أخرى تخوضها الرسالات الإلهية ـ عادة ـ وهو غير الاختلاف الناشئ من تحريف أصل الرسالة بمعنى ضياع بعض معالمها المهمة ، والذي حفظ في الرسالة الإسلامية ، فهو تحريف في التطبيق والفهم ، ويحتاج ـ أيضا ـ إلى قيادة معصومة في فهمها الكامل للرسالة وفهم مضمونها وآفاقها ، وفي معرفتها لتفاصيلها التي لا يمكن ـ عادة ـ للنبي أن يبينها لجميع الناس ـ كما تدل على ذلك شواهد كثيرة (٣) ـ وكذلك معصومة في حرصها على الرسالة وقيمها ومثلها ومبادئها وصبرها واستقامتها في هذا الطريق ، وتحمّلها لمسئوليتها وأعبائها.
وقد كان يتم ذلك ـ أيضا ـ عن طريق النبوات التابعة من الرسالات الإلهية الأخرى ، أو الأوصياء الذين كانوا يتحملون هذا الدور من الإمامة ـ أيضا ـ وأما في الرسالة الخاتمة فقد تمحّض هذا الأمر في دور الإمامة.
__________________
(١) الجاثية : ١٦ ـ ١٧.
(٢) البقرة : ٢١٣.
(٣) ذكرنا هذه الحقيقة مع بعض شواهدها في بحثنا عن التفسير في زمن النبي (علوم القرآن) وفي بحثنا الآخر عن التفسير عند أهل البيت ، وسوف نتناول هذا الموضوع مرة أخرى بصورة تفصيلية في البحث عن المرجعية الفكرية لأهل البيت عليهمالسلام.