تتحدث عنها هذه الروايات كانت بدرجة عالية ، لا يمكن أن نجد لها نظيرا في التاريخ الإنساني ، كما أنّها عميقة ومقدسة لا نظير لها في كل هذا التاريخ.
وهذا الجانب تناولناه في إحدى المحاضرات عن سيدة النساء فاطمة عليهاالسلام وذكرنا بعض الأبعاد في تفسيره ، فقد جاء في الحديث أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقوم لمدة ستة أشهر ـ أواخر أيامه ـ في كل يوم ولعدة مرات بالمرور على بيت فاطمة والسلام عليها ، وذلك عند ما يأتي إلى الصلاة في المسجد خمس مرات يوميا ، وكان بيت فاطمة في المسجد ، ويقوم رسول الله صلىاللهعليهوآله في الذهاب والإياب بالوقوف على بيت فاطمة ويسلّم عليها (١).
وهذه الحالة غريبة ، لا نجد لها نظيرا في التاريخ الإسلامي.
أو أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ كما تروي عائشة ـ كان إذا دخلت عليه فاطمة يقوم من مجلسه ويأخذ بيدها ويقبلها (٢). وضمير (يقبلها) قد يرجع إلى فاطمة أو قد يرجع إلى يد فاطمة ، وعلى كلا التقديرين ، فإن فيه دلالة خاصة في الحب والاحترام ، ثم لا يكتفي بذلك حتى يجلسها في مجلسه ، وهذا الإجلاس له معنى خاص في الآداب الاجتماعية والعرفية القائمة في ذلك العصر ، لأنّه عند ما يعطي الإنسان مجلسه لآخر فإنّه يريد من ذلك التعبير عن الدرجة العالية جدا من الاحترام والتكريم لذلك الإنسان ، وهو أمر لم يكن معروفا في العرف الاجتماعي
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٦٠٦.
(٢) روى الحاكم في مستدركه ، عن عائشة قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه. المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٤ ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.