ذلك عليّ ، فخرجت إليه ودخلت البصرة في يوم الجمعة ، فأتيت مسجد البصرة ، فإذا أنا بحلقة كبيرة وإذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء متّزر بها من صوف ، وشملة مرتد بها ، والناس يسألونه ، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ، ثمّ قلت : أيّها العالم ، أنا رجل غريب ، تأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال : فقال : نعم. قال : قلت له : ألك عين؟ قال : يا بني أي شيء هذا السؤال؟ فقلت : هكذا مسألتي ، فقال : يا بنيّ سل وإن كانت مسألتك حمقاء ، فقلت : أجبني فيها ، قال : فقال لي : سل ، فقلت : ألك عين؟ قال : نعم. قال : قلت : فما ترى بها؟ قال : الألوان والأشخاص.
قال : قلت : ألك أنف؟ قال : نعم قال : قلت : فما تصنع به؟ قال : أشم به الرائحة.
قال : قلت : ألك فم؟ قال : نعم. قلت : ما تصنع به؟ قال : أعرف به طعم الأشياء.
قال : قلت : ألك لسان؟ قال : نعم قلت : وما تصنع به؟ قال : أتكلم به.
قال : قلت : ألك أذن؟ قال : نعم. قلت : وما تصنع بها؟ قال : أسمع بها الأصوات.
قال : قلت : ألك يد؟ قال : نعم. قلت : وما تصنع بها؟ قال : أبطش بها.
قال : قلت : ألك قلب؟ قال : نعم قلت : وما تصنع به. قال : أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح (١).
قال : قلت : أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال : لا ، قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ قال : يا بني ، إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردته إلى القلب فييقّن اليقين ويبطل الشكّ.
قال : فقلت : إنّما أقام الله القلب لشكّ الجوارح؟ قال : نعم. قال : قلت : فلا بدّ من
__________________
(١) يبدو أنّ هشام بن الحكم استخدم بالإضافة إلى الدليل العقلي الأسلوب النفسي في التأثير على هذا الإنسان.