ومع قطع النظر في هذه التفاصيل ، فإن المقصود هنا هو التأكيد أنّ هذا الشر ـ كما يعبّر عنه حذيفة ـ هو أمر يأتي بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله في مراحل عديدة وليس في مرحلة واحدة.
الوجه الرابع : الروايات التي تؤكد وقوع الاختلاف بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله على مستوى التأويل والتفسير ، من قبيل ما ورد عن أبي هريرة : أنّ رسول صلىاللهعليهوآله أتى مقبرة فقال : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، إنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددت أنّا قد رأينا إخواننا» ، قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ (أي نحن معك أحياء ترانا ونحن مؤمنون ، والمؤمنون إخوة ، فلما ذا يقول : وددت أنا قد رأينا إخواننا) قال : «أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد». فقالوا : كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟! فقال : «أرأيت لو أنّ رجلا له خيل غرّ محجّلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟!» (أي إذا كان لديه خيل فيها علامة وهي أنّها محجّلة ، ثم داهمته خيل أخرى ، فلو اختلطت هذه الخيل مع غيرها فسوف يعرفها ، لأنها خيله قد عرفها بعلامتها) ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : «فإنهم يأتون غرّا محجّلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض. ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم : ألا هلمّ» (أي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله التفت إلى أصحابه ـ بعد توضيح معرفته بإخوانه ـ فحذرهم من الانقلاب على الأعقاب والتبديل بعده ، حيث يدعوهم إلى الشرب على الحوض ، لأنهم أصحابه قد عرفهم في دار الدنيا) «فيقال : إنّهم قد بدّلوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا» (١).
__________________
حيث يؤخذ نفس المضمون الموجود في النصوص الشرعية مع تغييرات تتناسب مع الحالة التي يعيشها الحكم والمجتمع الإسلامي في ذلك الوقت.
(١) التاج الجامع للأصول ١ : ٤٥ ، عن صحيح مسلم والنسائي وقسم منه عن صحيح البخاري.