قيل : يا رسول الله كفارس والروم؟ قال : «ومن الناس إلّا أولئك؟!» (١) ، يعني : من هم الناس إلا هذه الأقوام.
المثال الثاني للمجموعة الثانية وهي : التي تؤكد حقيقة الخلافة لكل نبي ـ وهي روايات مروية في صحاحهم ـ وهي عديدة :
عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء فتكثر» ، قالوا : فما تأمرنا؟ قال : «فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم ، فإنّ الله سائلهم عما استرعاهم» (٢).
__________________
(١) التاج الجامع للأصول ١ : ٤٣ ، عن البخاري ومسلم ، في النص الأول طبق السائل عنوان «من قبلكم» على الأمم المختلفة دينيا ، وفي النص الثاني طبق على الأمم المختلفة قوميا.
(٢) التاج الجامع للأصول ٣ : ٤٢ ، عن صحيح البخاري ومسلم.
وهذه الروايات نستدل بها مع قطع النظر عن الفقرة الأخيرة فيه «أعطوهم حقهم ...» ، حيث يوجد هنا بحث من الأبحاث الحديثية المهمة جدا المطروحة في كتب الجمهور ، إذ توجد طائفة كبيرة من الروايات تحاول أن تقول : سلّموا لهؤلاء الحكام تسليما مطلقا ، حتى أنّ بعضها يصل به الحال إلى حدّ تقول فيه بوجوب التسليم سواء : «كان برّا أو فاجرا حتى لو ظلموكم» ... إلخ.
وطائفة أخرى ـ أيضا كبيرة من الروايات ـ كما في الرواية التالية عن ابن مسعود تقول بما مضمونه : (أنّه لا تسلّموا لهم ، ولا تتعاونوا معهم ولا تطيعوهم ولا تقبلوهم بل جاهدوهم ... إذا كانوا عصاة وظالمين).
وبموازين علم الأصول وضوابطه ، لا بدّ من تقديم الطائفة الثانية من الروايات على الطائفة الأولى منها في مدلول هذه الفقرة ، وهذا التقديم : إما أن يكون عن طريق الجمع بينها ، عند ما يكون الجمع ممكنا ، وذلك بتفسير الطائفة الأولى بالطائفة الثانية ، بحيث نفسر الأمر بالطاعة هنا كما في مثل هذه الرواية ، لمن يكون عادلا ، أي لمن يكون مطيعا لله تعالى ، ولمن يكون منصوبا من قبل الله سبحانه وتعالى ، كما تشير الطائفة الثانية إلى ذلك ، فتفسر هذه الروايات بتلك الروايات.
أو أن تقدم الطائفة الثانية على الطائفة الأولى ، فتطرح الطائفة الأولى ، لأن الطائفة الثانية موافقة للقرآن الكريم ، والطائفة الأولى مخالفة له ، حيث تقدم الموافقة للقرآن الكريم على المخالفة له ، وهذا بحث له موضع آخر.