مسئوليات الأنبياء المهمة : (... آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ...) ، ولما كانت القدوة لا تتجسد بصورتها الكاملة في ما يحصيه التاريخ ، فإن التاريخ مهما كان مستوعبا للأحداث والوقائع ، فإنّه لا يمكنه أن يستوعب كل أطراف حياة الإنسان ، وإنّما يستوعب منها جانبا محدودا ، مضافا إلى أنّ حركة الإنسان متجددة والأمثلة التي تحتاج إلى القدوة فيها متجددة ـ أيضا ـ ومتحركة ، ولذا كان من الضروري استمرار الإمامة لتجسد القدوة في الأخلاق الإلهية ، عند ما تتجسد في الإنسان الرباني وهو الإمام (١).
وسوف نشير ـ بإذن الله ـ في بحث الأدوار المشتركة لأئمة أهل البيت عليهمالسلام الذي أشرنا إليها في بداية هذا الحديث إلى معنى القدوة ودورها الرئيس في حركة المجتمع الإنساني وتكامله (٢).
ولكن يؤكد هذا المفهوم ما ورد في القرآن الكريم من الحديث عن وصف عباد الرحمن ودعائهم من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) (٣) ، حيث أعطيت القدوة عنوان الإمام ، وجاء في تفسير ذلك على نحو التأويل تطبيقه على الأئمة عليهمالسلام.
__________________
(١) قد يثار إشكال حول هذا الدليل من ناحية تطبيقه على الإمام المهدي الغائب عن الأنظار ، الذي قد يقال فيه : إنّه مع غيبته لا يمكن تحقق هذا الهدف من وجوده. ولكن الجواب عن ذلك :
أولا : أنّ الغيبة حالة استثنائية مرتبطة بظروفها ، فهي من قبيل أن يتعرض النبي أو الإمام للسجن أو الحصار ، بحيث يحجب عن الناس الانتفاع والاقتداء أو التأسي به بصورة عامة.
ثانيا : أنّنا سوف نشير ـ في محله إنّ شاء الله ـ إلى أنّ الإمام المهدي يمكن أن نفترض لوجوده آثارا على مستوى القدوة ، كما تشير إلى ذلك بعض النصوص والحوادث.
(٢) تناولنا جانبا من هذا الموضوع في كراس (القدوة الصالحة) الذي طبع بشكل محدود ، ونشر في مقدمة كتاب (الإمام قدوة).
(٣) الفرقان : ٧٤.