المفسرين ـ ... بل هي تحمل حقائق أعمال في الدنيا من سعادة أو شقاء ، ورد وقبول ، وانقياد وتمرد ، وأداء ذلك في الآخرة ..
.. ومن الواضح أنّ هذه الحواس العادية التي فينا ، والقوى المتعلقة بها منا لا تتحمل إلا صور الأفعال والأعمال فقط ، وذلك التحمل أيضا إنّما يكون في شيء يكون موجودا حاضرا عند الحس لا معدوما ولا غائبا عنه ، وأما حقائق الأعمال والمعاني النفسانية من الكفر والإيمان والفوز والخسران ، وبالجملة كل خفي عن الحس ومستبطن عند الإنسان ـ وهي التي تكسب (ها) القلوب ، وعليه يدور حساب رب العالمين .. ـ فهي مما ليس في وسع الإنسان إحصاؤها والإحاطة بها وتشخيصها من الحاضرين فضلا عن الغائبين إلا رجل يتولى الله أمره ويكشف ذلك له بيده) ، انتهى كلامه قدسسره (١).
فإن الجمع بين هاتين القرينتين يستنتج منه أنّ الشهادة المذكورة لهذه الأمة هي الإمامة ، وهو استنتاج ينسجم مع ما أشير إليه في المثال الثالث من الأمر الثاني ، من أنّ لكل أمة شهيدا ، وهو أمر أكده القرآن الكريم في عدة آيات.
ويؤكد هذا الاستنتاج ما ورد في قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ...) (٢) ، حيث إنّ الظاهر من هذه الآية الكريمة هو أنّ الشاهد الذي يتلو النبي صلىاللهعليهوآله هو استمرار لمسئولية النبي في الشهادة ، وأنّ هذا الشاهد منه ، ولذا جاء تفسير هذه الآية : أنّ
__________________
(١) الميزان ١ : ٣٢٠ ، وقد تناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل والشرح ، وطبق عليه الروايات الشريفة ، وحديثه في الجملة صحيح ، ولا سيما فيما يتعلق باستنباط ما تدل عليه الآية من وجود شهادة على مستوى الإمامة ، وفي بعض مواضعه وإطلاقه نظر لا مجال له هنا ، وإنّما حديثه في التفسير.
(٢) هود : ١٧.